قد يكون معناه رغبة النجاح العادية في المرحلة الحالية من الحياة. وهى رغبة عادية موجودة في كيان كل إنسان، مؤمن أو غير مؤمن. وهى واحدة من الاحتياجات النفسية الطبيعية للإنسان؛ مثل احتياجه للأمان أو للمحبة. وقد يفهم البعض للطموح معني آخر على أنه السعي للأفضل دائماً والرغبة في أن يكون الأول والتغلب في كل منافسة، وذلك بسبب النهم الشديد الذى لا يشبع والعطش الذى لا يرتوى في كيان الإنسان.
أنواع الطموح
الذى يحدد أنواع الطموح هو الدوافع الداخلية الموجودة في كيان الإنسان.
1- غريزة النجاح البريئة
* هذه بذرة الطموح، وهذه الغريزة موجودة في كل إنسان؛ أن يكون ناجحاً في كل ما يفعله.
* كانت هذه الغريزة موجودة في آدم من قبل السقوط في الخطية. فعندما خلق الله الإنسان عمله على صورته كشبهه، كما جعله متسلطاً على كل ما في الأرض «فخلق الله الإنسان على صورته... وقال لهم اثمروا واكثروا وامتلأوا الأرض واخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض» (تكوين1: 26 -28). فالإنسان المخلوق على صورة الله أخذ من خالقه غريزة السيادة علي الخليقة كلها وإخضاعها، وإذا كان الله قد وجد سروره عندما رأى كل ما عمله فإذ هو حسن جداً، فإن الإنسان المخلوق على صورة الله عنده أيضاً طموح (أو رغبة) أن يكون كل ما يصنعه حسناً. إن آدم بعدما وُضِع في الجنة لم يَبْقَ فيها خاملاً؛ بل كان هناك «ليعملها ويحفظها» (تكوين2: 15)، وكانت عنده الرغبة أن يقوم بهذه المهمة بنجاح.
* هذا النوع من الطموح هو رغبة إنسانية بريئة، فهو ليس خطية لأنه ليس من رغبات الجسد الرديئة، كما أنه ليس واحداً من رغبات الطبيعة الجديدة؛ فهو رغبة خاصة بأمور الزمان والله يُسرّ بتحقيقها فلقد «كان الرب مع يوسف فكان رجلاً ناجحاً» (تكوين 39: 2). كان هذا في أمور الزمان في بيت فوطيفار، وكذلك في السجن كان أساساً إلى أمور الزمان.
2- عطش الجسد الذى لا يرتوى
* بعد السقوط تحولت رغبة النجاح البريئة في كيان الإنسان إلى فراغ عميق يصاحبه جوع وعطش ونهم لا يشبع أو يرتوى قط. وقد امتلأ هذا الفراغ بأنواع أخرى كثيرة من الطموحات الرديئة التي تخدم رغبات الإنسان التي دخلت بالسقوط وما أكثرها، البذرة الرديئة التي زرعها الشيطان كوهم كبير في كيان الإنسان وهو يقول لحواء «تكونان كالله» (تكوين 3: 5). ولأن الإنسان لن يصير كالله؛ لذلك لن يهدأ في طريق السعي لتعظيم نفسه وتأليهها.
* هذا الطموح يختلف من شخص إلى آخر حسب حجم الفراغ النفسي، وكذلك يكون نوعه حسب نقطة ضعفه، فكل شخص يعطش أكثر للجانب الذى هو أكثر ضعفاً فيه ويتجه طموحه مع هذا العطش. فالبعض طموحهم الشديد في تحقيق أكبر قدر من الشهرة، وآخرون أكبر قدر من المال، وغيرهم أكبر قدر من الحصول على لذاتهم.
* يتزايد هذا النوع من العطش في كيان الإنسان بالتدريج، فكلما وضع الشخص أمامه هدفاً ثم حققه يزداد فراغه أكثر ويعطش أكثر، فيضع هدفاً أعلى، وكلما ازداد الهدف ارتفاعاً ازداد الفراغ عمقاً فينطبق عليه «كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً» (يوحنا4: 13). *وإذا حقق الإنسان كل طموحاته وامتلك كل ما يسعى إليه ويخطر على باله فلن يصاحب ذلك الشعور بالاكتفاء مطلقاً؛ بل على العكس ستصاحبه مشاعر الانقباض لوجود مزيد من الفراغ، فالذي قال «ومهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما. لم أمنع قلبي من كل فرح» (جامعة 2: 10) هو الذى أضاف في العدد التالي مباشرة «ثم التفت أنا إلى كل أعمالي التي عملتها... الكل باطل وقبض الريح (أي قابض للروح وباعث للاكتئاب؛ أو فيه خواء وفراغ) ولا منفعة تحت الشمس».
* هذا النوع من الطموح هو المعبر الصحيح عن إرادة الإنسان الطبيعي، والذى فيه لا يكتفى الشخص فقط بتحقيق النجاح، بل يريد أن يكون الأول في كل مجال تمتد إليه يده وفى كل وسط يوجد فيه. وأحياناً لا يكفيه أن يكون الأول، بل يريد أن يكون الكل ولا ثاني له. وهذا النوع الذى ي قول عنه الكتاب «طموح العينين وانتفاخ القلب نور الأشرار (أي هو الذى يهديهم) خطية» (أمثال 21: 4).
* يصاحب هذا الطموح كل مشاعر الغيرة الجسدية والحسد، وأحياناً الشراسة في طريق تحقيقه؛ فالشخص في الجانب الذى يملأ فراغه النفسي ويسعى إليه لا يقبل منافساً له على الإطلاق، وهذا السبب الذى من أجله «أن قايين قام على هابيل أخيه وقتله» (تكوين4: 8).
3- رغبات الطبيعة الجديدة
* هي الرغبات التي تتجه إلى الله ولا ترغب شيئاً سواه. هي الرغبات التي تجعل المؤمن يقول «إلهى أنت إليك أبكر عطشت إليك نفسى يشتاق إليك جسدي» (مزمور63: 1).
* تجعل المؤمن يطلب كل ما يعظم المسيح ويكرمه، لا يطلب شيئاً لنفسه مطلقاً بل تكون كل رغبته «ينبغي أن ذلك يزيد وأنى أنا أنقص» (يوحنا 3: 30).
* هذه الرغبات أقصى طموحها هو أن يأخذ المسيح المزيد من حياة المؤمن، اليوم أكثر من الأمس، والغد أكثر من اليوم، ولا تستريح إلا عندما يأخذ المسيح الكل.
* ومع أن المؤمن في كل مراحل نموه يكون شعاره «كأسى ريا» (مزمور 23: 5)، لكنه أيضاً لا يقف عند حد في طموحه هذا نظراً لعظمة الشخص الموضوع أمامه؛ فرغبات الطبيعة الجديدة جعلته يشعر أنه دخل إلى «نهر سباحة لم أستطع عبوره لأن المياه طمت مياه سباحة نهر لا يُعبَر» (حزقيال 74: 5).
* رغبات تجعل كل طموحاته أنه ينمو فى صنع كل ما يصنعه المسيح ويرفض بشدة كل ما يرفضه المسيح. وعن طموحات المؤمن نستكمل الحديث فى العدد القادم إن شاء الله.