ما أروع أن يتخذ الإنسان قراراً صحيحاً وتترتب عليه نتائج عظيمة. وهل هناك قراراً أخطر من قبول المسيح مخلصاً شخصياً؟ وهل يوجد قرار أعظم من تتويج المسيح رباً على الحياة واتباعه وخدمته؟
منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنه اتخذت فتاة أممية قراراً باللجوء إلى الله والاحتماء فيه وترك الأوثان وكل متعلقاتها. فأعطت ظهرها لأهلها وشعبها وآلهتها، وجاءت إلى حيث عبادة الله وشعب الله، وصار الله الحى الحقيقي إلهاً لها. هذه الفتاة يلمع اسمها في الكتاب المقدس. فأحد أسفار العهد القديم سُمى باسمها، وأول صفحة في العهد الجديد تحمل اسمها أيضاً.
القرار وصعوبته
عاشت راعوث في بلاد موآب، وكان أهلها يعبدون «كموش» (إله وثنى)، وكانوا أحياناً يقدمون أولادهم ذبيحة له (2ملوك 3: 26، 27). وارتبطت راعوث بعائلة تعرف الله من أرض يهوذا. وآلت بها الأمور أنها عاشت بعد موت زوجها مع حماتها نعمى وسلفتها عرفة. وجاء الوقت لترجع نعمى إلى بيت لحم، ونوت راعوث وعرفة الرجوع معها، فلقد تعلقتا بها وأظهرتا مشاعر طيبة نحوها. وعندما بدأت نعمى رحلة العودة بدأت كلتاهما السير معها، وقالتا لها «إننا نرجع معك إلى شعبك» لكن نعمى أوضحت لهما أنه من الأفضل الرجوع إلى الأهل والبلاد، كما أن السير معها لن يحقق رغباتهما وتطلعاتهما في الحياة «فقبلت عرفة حماتها، أما راعوث فلصقت بها. فقالت نعمى لراعوث هوذا قد رجعت سلفتك إلى شعبها وآلهتها. ارجعي أنت وراء سلفتك. فقالت راعوث لا تلحى علىَّ أن أتركك وأرجع عنك» (راعوث 1: 14 ، 15).
عرفة تمثل إنساناً ذا أخلاق جيدة ومشاعر رقيقة، يظهر أشواقاً لاتباع المسيح ويتأثر بصحبة المؤمنين، لكن مشكلته أن قلبه مجزأ بين العالم والمسيح. وهو لا يقوى على اتخاذ القرار الصحيح بقبول المسيح. إنه يجد في العالم ما هو أغلى من المسيح؛ ربما محبة المال أو علاقة عاطفية، ربما أصدقاء الدراسة أو شهوة محببة. إن عرفة تذكرني بالشاب الغنى الذى أتى للمسيح باحثاً عن الحياة الأبدية، ورأى فيه المسيح اشواقاً حسنة، فطلب منه أن يترك كل أمواله ويأتي وراءه حاملا الصليب، لكن المال كان أغلى عليه من المسيح، فمضى حزيناً بعيداً عن المسيح.
النصرة على العوائق
اتخذت راعوث قرارها وانتصرت على ثلاثة عوائق.
أولاً: العواطف الطبيعية، كان الرب أغلى عليها حتى من أبيها وأمها، وكأنها سمعت كلمات المسيح «من أحب أباً أو أماً أكثر منى فلا يستحقني» (متى 10: 37).
ثانياً: حاجتها الملحة، فقد كان من المتوقع أن تبحث راعوث عن زوج آخر، بعد موت زوجها الأول، ليسدد لها حاجتها؛ لكنها آمنت بالرب وتعلقت به كمن يملأ كل احتياج لها.
ثالثاً: انعدام الأمل البشرى، فلقد أوضحت لها نعمى أنها أرملة مسكينة متقدمة في السن لا يُرجى منها شيء. وكان هذا امتحاناً صعباً، لكنها نجحت إذ وضعت ثقتها في الإله الحى الذى سيعتنى بها ويدبر أمورها.
وجاء القرار العظيم «لأنه حيثما ذهبت أذهب وحيثما بت أبيت. شعبك شعبي وإلهك إلهى. حيثما مت أموت وهناك اندفن. هكذا يفعل الرب بي وهكذا يزيد. إنما الموت يفصل بيني وبينك» (راعوث 1: 16 ، 17).
هذه الكلمات تمثل لغة الشخص الذى أحب المسيح، وتعلق به أكثر من كل شيء آخر وصمم على اتباعه. إنها تشبه لغة بطرس عندما قال للمسيح، في الوقت الذى رجع فيه كثيرون عنه: «يا رب إلى من نذهب كلام الحياة الأبدية عندك. ونحن قد آمنا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الله الحى» (يوحنا 6: 68 ، 69). عزيزي؛ هل المسيح هو معبود قلبك؟ هل يمكنك الاستغناء عنه أم لا تطيق الانفصال عنه؟
التكريس القلبي
ان كلمات راعوث تكشف لنا عدة أشياء هامه للحياة المسيحية:
* التبعية للمسيح: «حيثما ذهبت أذهب». لقد قال المسيح «أن كان أحد يخدمني فليتبعني وحيث أكون أنا هناك أيضاً يكون خادمي»
* ثم الاتحاد بشعب المسيح: «شعبك شعبي»، إنها لم تختر أصدقاءها بنفسها وبحسب هواها، لكن ارتبطت بشعب الرب
* ثم علاقة شخصية بالمسيح: «إلهك إلهى»، إنها تخصص الله لها: إلهى. هل تظن يا عزيزي أن الله لا يتجاوب مع هذا الاخلاص؟ بلى، لقد كافأها أكثر جداً مما تطلب أو تفتكر.
كانت تعبد الأوثان فصارت تعبد الإله الحقيقي. كانت أرملة فقيرة فصارت زوجة بوعز الرجل العظيم.
كانت فتاة أممية فصارت جدة للملك داود، بل أكثر من ذلك لقد جاء من نسلها المسيح مخلص العالم (متى 1).
أحبائي الشباب، هل عرفنا كيف نتخذ قراراً صحيحاً لمجد المسيح في حياتنا؟ لقد جاء دورنا لنقرر