فلان قليل الذوق فلان عنده ذوق
فلان عنده ذوق. فلان قليل الذوق. على مر الأيام تقابلنا مع أناس من النوعين. تقابلنا مع أناس من النوع الأول فتركوا فينا أجمل الأثر وأروعه، كانت جلستنا معهم كأنك تجلس بين الزهور وتحت ظل الأشجار، وحديثهم معنا كأنك تسمع تغريد الطيور وأعذب الألحان، كان اللقاء بهم كأنك تتلقى نسمات رقيقة وأنت متعب فى يوم حار، أو كقطرات الندى المنعشة للمبكر إلى عمله ليواجه أثقال الحياة.
أيضاً تقابلنا مع أناس من النوع الآخر لم يلبسوا من الاخلاق أحلاها، ولم يتعلموا من الذوقيات أرقاها؛ فكانت جلستنا معهم كأنك تجلس على قارعة الطريق فى يوم مترب وحار، وحديثهم معنا يشبه وقوفك فى ميدان رمسيس فى أزحم ساعات النهار، والجو من حولك فى لقائك بهم مملوء بعوادم السيارات وعواصف التراب. هؤلاء هم الذين تخشى الحديث معهم أو حتى الاستماع إليهم، فقد يجرحونك بكلمة فى أية لحظة إذ أنهم مملوؤون بالأشواك، وقد يسحقونك بعبارة على حين غرة إذ أنهم يتحركون دون تقدير للمسافات أو المساحات.
والأخلاق العالية إن أحببت أن تراها كاملة بكل قطعها النموذجية المطلقة الجمال، فاذهب إلى معرضها الدائم ومقره شخص المسيح كما تصفه الأناجيل. وإذا أردت أن تراها قطعاً فى معارضها المتنقلة، فأذهب إلى كل الذين أحبوه وتأملوه كثيراً فتغيرت صورتهم إلى صورته واكتسبوا الكثير من صفاته. هذا ما سنفعله إن أذن الله فى هذا الباب إذ سنتجول بين صفحات الكتاب لنرى كيف تكون الأخلاق.
ألا تحب عزيزى القارئ أن توصف بالعبارة الأولى! أولاَ تنفر من أن توصف بالثانية؟! دعنى أقول لك إنك إذا أردت أن تلبس الاخلاق العالية وتتحلى بها، فاعلم أنها لا تُلبَس كما يلبس الإنسان حلته الجميلة التى يظهر بها أمام الناس ثم يخلعها متى يشاء، كلا فهذه ليست أخلاقاً بل رياء، لكنها تلبس كما يلبس الطير ريشه وكما تلبس الأرض سندسها. هكذا علَّمنا الكتاب حين قال «فالبسوا كمختارى الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفاً وتواضعاً ووداعة وطول آناة.وعلى جميع هذه البسوا المحبة التى هى رباط الكمال» (كولوسى3: 12-14). فهى ليست تُرتَدى لتزين الخارج، لكنها تنبع من الداخل لتلتصق بالخارج.وأخيراً يبقى لنا هذا السؤال الهام: من أين لنا بهذا الداخل الذى يفرز مثل هذه الأخلاق؟. إنه قلب غُسّلَ بدم المسيح ويسكن فيه روح المسيح وله عيون تشخص دائماً إلى المسيح.