وصل الشاب إلى صديقه الشيخ متلهفاً للاستزادة من خبرته، وهو يتذكر الاستفادة التى جناها من خلال جلساته معه، فبدأ الحديث بقوله:
* أود أن أعرفك أننى استفدت كثيراً من النقاط التى تحادثنا فيها خلال جلساتنا السابقة. وقد تأثرت علاقاتى بالآخرين بذلك تأثيراً إيجابياً.
-وأنا أثق فى الرب أنه يكمل ما بدأه فيك.
* لكن ما أود أن تحدثنى عنه هذه المرة هو عن الوضع حين أصل فى حديثى مع آخر إلى نقطة خلاف. لقد حاولت كثيراً ألا أختلف مع الآخرين، ولكنى لم أتمكن من ذلك.
- ياصديقى، لا مفر من الاختلاف. تذكر أننا ولدنا مختلفين فحتى التوائم يوجد بينهم اختلاف، وظروف نشأة كل منا تختلف عن الآخر، كما تختلف شخصياتنا وأمزجتنا؛ فإذا وضعت فى اعتبارك كل ذلك ستدرك أنه لا مفر من أن نصل لنقطة اختلاف. وهذا الأمر فى حد ذاته لا يشكل أية مشكلة، بل فى بعض الأحيان يكون له أثر صحى فى إثراء خبراتنا وتصحيح اتجاهاتنا.
*لكنى فى مثل هذه الأحوال قد أشعر بالغضب، وقد يتطور الأمر إلى مشاجرة.
- الغضب فى حد ذاته ليس هو المشكلة، فالكتاب يقول «اغضبوا ولا تخطئوا»، لكن المشكلة فيما قد يتبع الغضب إذا لم نتحكم فيه من «مرارة وسخط وصياح» (انظر أفسس4: 26،31).
* لكن كما قلت لك أن الأمر قد يتطور إلى مشاجرة ثم خصام.
-وهنا مكمن الخطر الأساسى، لا تنس أن «عبد الرب لا يجب أن يخاصم» (2تى 2: 24-25).
* ولكنى أكون فى وضع يتطلب الحل.
-الحقيقة أنى لم أسمع عن مشكلة تم حلها بواسطة مشاجرة. أو كما يقول أحدهم «لايمكن لأى واحد أن يكسب مشاجرة»، كل الأطراف تخسر فى المشاجرات؛ فكل منهم يخرج متوتراً مستنفد القوى يعانى من بعض الاكتئاب؛ ناهيك عن العلاقات المتوترة. وبصفة خاصة يخسر المؤمن الكثير؛ فشهادته ستتأثر كما أنه سيكون عرضة للوم الضمير أمام تقصيره فى أن يعيش مسيحياً حقيقياً.
* فماذا أفعل فى هذه الصدد؟
- الحل الأبسط والأمثل هو ما يقوله الحكيم فى أمثاله «قبل أن تدفق المخاصمة، اتركها» (أمثال 17: 14). تذكر أن المشاجرة تحدث بين طرفين، فإذا قرر طرف منهما ألا يخوض فى ذلك فلن تحدث مشاجرة.
*ولكن ذلك قد يمس كرامتي.
- اسمع ما يقوله الكتاب «مجد الرجل أن يبتعد عن الخصام، وكل أحمق ينازع» (أمثال 20: 3). ألا يسعدك امتداح الكتاب؟!
* فماذا أفعل إذاً؟
- ابطئ من رد فعلك؛ الكتاب يقول إن «البطىء الغضب كثير الفهم وقصير الروح معلى الحمق» (أمثال 14: 29 انظر أيضاً 14: 17 ،29: 22).
* فهل المطلوب منى ألا أرد؟
- إذا أمكنك أن تؤجل الرد حتى تهدأ جميع الأطراف فسيكون ذلك إيجابياً، فمناقشة نقاط الخلاف وسط جو متوتر أمر غير مضمون العواقب.
*وهل هذا يكفى؟
- الأهم ألا تتعجل الرد. فكر فى الكلمات ونتائجها -كما سبق وتحدثنا- فالكلام هو بداية الخصام «شفتا الجاهل تداخلان فى الخصومة وفمه يدعو بضربات» (أمثال 18: 6).
* وما هى نوعية الكلمات التى تنصحنى بأن أقولها فى مثل هذه الظروف؟
- خير وصف لها هو قول الكتاب «الجواب اللين يصرف الغضب»، ولا تنس أيضاً أن «الكلام الموجع يهيج السخط» (أمثال 15: 1 انظر25: 15). فالكلام القاسى (وهو ما تميل طبيعتنا الإنسانية إلى التفوه به وقت الخلافات) يجعل الطرف الآخر يستقبل الأمر على أنه معركة وأن عليه الدفاع عن وجوده ضد هذا الهجوم. لكن الكلام اللين يشعره بأن له قيمة عند محدثه وأن الأمر لا يخرج عن كونه خلافاً فى الرأى يمكن حله، فيبادر للتقارب وللتفاهم.
*وهل من نصيحة عملية أخرى؟
-تحكم فى ارتفاع ونبرة صوتك وطريقة كلامك. فالكثيرون يعتقدون أن الصوت المرتفع يوصل كلامهم أكثر للآخرين، ولكن العكس كثيراً ما يكون هو الصحيح. وطريقة الكلام -إن كانت مثلاً لائمة أو متهكمة أو سبب ازدراء للآخرين- تسبب تباعداً بين طرفى الحوار. (صمت الشاب ووضحت عليه علامات التفكير، وفهم الشيخ ما يدور بداخله فبادره بالقول:)
-أعلم أنك ترى أن تنفيذ هذا صعب، لكنى أدعوك لأن تقول مع من قال «أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى» (فيلبى4: 13 )، وتذكر أن الرب يعطينا دائماً المعونة الكافية لإتمام ما يسره فى حياتنا.