لقد مر نحو عام كامل على الخبر الذي هز مجتمعنا المحافظ بوجود جماعة في بلادنا لم تستح أن تجاهر بأنها تعبد الشيطان، وتنفذ تعليماته التي يطلبها منها مهما بدت غريبة أو مستهجنة أو قبيحة. نعم هكذا بكل صراحة أو إن شئت فقل بكل وقاحة وبدون خجل ولا حياء. وكان ملفتاً للنظر أن معظم أفراد هذه الجماعة - إن لم يكن كلها - من الشباب صغيري السن. ولأننا نكتب للشباب الناشئ فكان لابد لنا، بعد أن هدأت الهوجة أن نتحدث عن هذه الظاهرة غير المسبوقة، على الأقل في بلادنا.
يتحدث الكتاب المقدس عن الشيطان باعتباره عدو الله والإنسان، وباعتباره أصل الخطية في الكون، كما أنه هو الذي أوحى لأبوينا في الجنة أن يعصيا الله، فنتج السقوط وجاءت المصائب على البشرية.
وليس الجديد أن يحاول الشيطان أن يكون له أتباع، ولا الجديد حتى أن يسعى لكى يُعبد من البشر، لكن الجديد في الأمر أنه هذه المرة أراد أن يعبد بدون قناع، واستغنى حتى عن ورقة السلفان الرقيقة والأنيقة التي كان يخفي حقيقته وراءها. نعم ليس جديداً أن يحاول أن يُعبد، فهو من البدء يريد مناوأة الله على عرشه في الكون، وعرشه في القلوب. والحديث عن الشيطان وثيق الصلة بالحديث عن الوثنية. فلقد كان الشيطان في العصور القديمة يُعبد خلف ستار الوثنية. وكانت الذبائح التي تقدم للأوثان إنما تقدم في الواقع للشيطان. فيقول الرسول بولس «فماذا أقول؟ أإن الوثن شئ أو ما ذبح للوثن شئ؟ بل إن ما يذبحه الأمم فإنما يذبحونه للشياطين» (1كورنثوس10: 19، 20). ولقد بدأت الوثنية من قديم الزمان. وفي بلادنا، وكذلك في بلاد كثيرة في العالم، كان القدماء يعبدون الحية. والكتاب المقدس يخبرنا أن أحد أسماء الشيطان هو الحية القديمة (رؤيا 12: 9، 20: 2).
كانت أشهر صور العبادات الوثنية هي عبادة الأجرام السماوية؛ كالشمس والقمر وباقي الكواكب. ولقد تغلغلت تلك العبادة الوثنية في نسيج المجتمعات بصورة عجيبة حقاً. هلا لاحظت أنه في العديد من اللغات الأوربية (كالإنجليزية والفرنسية والألمانية( تنسب أيام الأسبوع إلى واحد من هذه الآلهة المزعومة؛ فيوم الأحد Sunday مخصص لعبادة الشمس، ويوم الاثنين Monday مخصص لعبادة القمر، وهكذا باقي أيام الأسبوع؛ الثلاثاء للمريخ، والأربعاء لعطارد، والخميس للمشترى، والجمعة للزهرة، والسبت لزحل!! هكذا كان الأمر ايضا عند المصريين القدماء، وهو لازال كذلك حتى اليوم في اللغات الهندية! هكذا إلى هذا القدر تغلغلت الوثنية في الحياة اليومية للبشر!
والسحر أيضا مرتبط أشد الارتباط بالشيطان. ويمكن القول إنه إذا كانت الصلاة تجلب للمؤمن قوة الله، فإن السحر يجلب للشخص الذي يمارسه قوة الشيطان. ونحن لازلنا نقرأ بين الحين والحين عن ساحر هنا وساحرة هناك. وفي دائرة المعارف الأمريكية تحت كلمة « سحر» ورد أن أكثر من نصف سكان العالم اليوم يعتقد أن السحر ممكن أن يؤثر على حياتهم!
أما وسائل الحصول على المعرفة من الشيطان فهي أيضا شائعة. فيلجأ البشر للمشعوذين والدجالين لمعرفة من سرق منهم شيئا ثميناً، أو مكان وجود شخص معين. نعم الكثيرون يلجأون للعرافين لمعرفة الماضي أو الحاضر، وبالأكثر معرفة المستقبل. ولعلنا نذكر أن الشيطان في البداية أوقع الإنسان في الخطية عن طريق أكله من شجرة المعرفة. واليوم يستعين الكثيرون بالشيطان لحل مشاكلهم، ولا يعلمون أن الشيطان لو حل لهم مشكلة مؤقتة فإنه سيوقعهم في مشكلة أبدية لا نجاة منها ولا خلاص. فلقد لجأ قديماً شاول الملك إلى عرافة لتحل له مشكلته، فأوقع الرب قصاصه عليه في الحال وأماته بخيانته (1 أخبار الأيام10: 13 ،14).
على أن نشاط الشيطان لا يقتصر على ما سبق، فما أكثر تغلغل الشيطان في كل نواحي الحياة. دعني أسألك: ما هذا الإرهاب الأسود الذي يقتل البشر الأبرياء بدون تمييز، وبلا أدنى سبب؟ ألا تشعر بيد الشيطان في هذا الأمر؟ أليس هو الذى جعل أول شقيقين في العالم يقتل أحدهما الآخر، لا أن يقتله فحسب بل أن يذبحه، أي يقتله بوحشية كتلك التي نقرأ عنها من أناس معدومي الضمير متبلدي الإحساس قساة القلب. ويوضح الرسول يوحنا سبب ذلك فيقول إن السر الحقيقي وراء تلك القسوة أن «كان قايين من الشرير وذبح أخاه» (1يوحنا3: 21 ). ويقول المسيح أيضا عن الشيطان «ذاك كان قتالا للناس من البدء» (يوحنا8: 44 )
ثم ما هذا السيل الذى لا ينقطع من البدع والهرطقات التي نسمع عنها كل يوم؟ ومع أنها تتمحك في الكتاب المقدس، فإنها أبعد ما تكون عن فكر صاحب الكتاب؟ إنه الشيطان مرة أخرى «الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي يضل العالم كله» (رؤيا21: 9 ).
وما هذه الموجات الكاسحة من الإباحية والدنس في المجلات وفي الأفلام؟ إنه البديل الشيطاني الذي يقدمه الشيطان للإنسان لعله بذلك يروي ظمأه ويستغني عن المسيح. إنها الكذبة القديمة التي خدع بها الشيطان أمنا حواء في الجنة، فجعلها تتحول عما أباحه الله لها، وتشتهي الحرام، وكأن الأكل من الحرام فيه منتهى الغبطة والسعادة. لكن سل حواء هل عندما كانت في الجنة كانت أسعد أم عندما عصت الله؟ ولا زال الشيطان يقول للكثيرين من ناقصي الفهم «المياه المسروقة حلوة، وخبز الخفية لذيذ» (أمثال9: 17 ). لكن هيهات، فكل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً» (يو4: 41 ). وكما قال القديس أغسطينوس؛ فيلسوف المسيحية الشهير "ياالله لقد خلقتنا لذاتك، ولن تجد نفوسنا راحتها إلا فيك". شاهد أحدهم قطيعاً من الخنازير تتبع رجلاً، ودفعه الفضول ليتبع القطيع، فزادت دهشته عندما رآها تتبع الرجل إلى المجزر حيث ستذبح. فسأل الرجل كيف استطعت أن تغري الخنازير على اتباعك إلى مكان الذبح؟ أجابه الرجل: إني أتأبط كيساً به كمية من حبوب الذرة، وطول الطريق أسقط بعض الحبات، فتتبعني الخنازير. وهذه هي نفس طريقة الشيطان مع الملايين، لا سيما من الشباب الحمقى، الذين يتبعون شهوات الجسد «كثور يذهب إلى الذبح ... كطير يسرع إلى الفخ ولا يدري أنه لنفسه» (أم7: 22 ،23).
لقد هدأت زوبعة عبادة الشيطان، لكن لا تظن عزيزى الشاب أن الشيطان نفسه هدأ أو أنه كف عن غواية البشر بألف طريقة وطريقة. والآن دعني أسألك : ما هو موقفك من عبادة الشيطان؟ ربما تندهش من هذا السؤال وتعتبره مفاجئاً لك، بالإضافة إلى أنه في رأيك غير ذي موضوع. لكن مهلا يا عزيزي، فأنا أعرف أنك تستهجن ذلك، كما أعرف أن الشيطان لن يحاول أن يبدأ معك بالأمور الرديئة أو الصعبة، بل إنه يشبه الأعرابي الماكر الذي طلب من أحدهم أن يسمح له بأن يدخل أنف الجمل في داخل خيمته نظراً لسوء الأحوال الجوية، ثم بعد فترة أدخل الجمل كله. ولما لم تكن الخيمة تحتمل في نفس الوقت الجمل وصاحب الخيمة، فقد طلب منه الأعرابي أن يترك الخيمة. هكذا الشيطان يطلب في البداية ما لا ضرر منه، ثم سرعان - وقد ملك وطأة القدم - ما يجاهد للحصول على المزيد. والمثل الذي نعرفه جيداً هو «معظم النار من مستصغر الشرر». فليتك تتنبه عزيزي الشاب لمكر الحية.
تنبه لنوع قراءاتك لئلا يجرك الشيطان إلى ما هو أبعد. تحذر من قراءة باب إسأل النجوم الموجود في معظم الجرائد والمجلات: إسأل الرب ولا تسأل النجوم. بل تنبه لنوع أصدقائك فالمعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة (1كورنثوس15: 33 ). لكن قبل هذا كله وبعد هذا كله وفوق هذا كله سلم قلبك للمسيح. تذكر أن يهوذا الإسخريوطي كان واحداً من تلاميذ المسيح ، عاشر المسيح، لكنه لم يسلم قلبه للمسيح، فجاء اليوم التعس الذي فيه دخله الشيطان، فقاده لكي يبيع سيده ويقتل نفسه. تعال حالا للمسيح فهو برج الأمان الوحيد لتخليصك من كل مراوغات الشيطان وحيله التي لو تفطنت لإحداها فهو عنده ألف سواها.