«لا تكن مخاصمة بينى وبينك ... لأننا أخوان» (تكوين13 : 8)
لقد تميز إبراهيم أبو المؤمنين برقى أخلاقه، وظهر هذا واضحاً جلياً فى علاقته بلوط ابن أخيه، فعندما حدثت المخاصمة بين رعاة مواشيهما-ويبدو أن "لوط" وقتها قد تحفز للدخول فى مخاصمة مع عمه، غير واضع فى اعتباره فضل عمه عليه أو كبر سنه عنه، بل والأسوأ من هذا غير عابىْ بالشهادة أمام جيرانهما من سكان الأرض وما سيلحق باسم الرب من إهانة بسبب مخاصمتهما-نجد إبراهيم يبرز عاجلاً ليجهز على الشر قبل حدوثه ويمنع الضر قبل وقوعه، حريصاً كل الحرص على اسم إلهه وممكنا المحبة لابن أخيه فيقول ثلاث كلمات:-
فى الأولى يظهر المحبة بروح الوداعة قائلاً«لا تكن مخاصمة بينى وبينك وبين رعاتى ورعاتك لأننا نحن أخوان»
وفى الثانية يقدم حلاً حاسماً فيقول «أليست كل الأرض أمامك اعتزل عنى»
وفى الثالثة يعلن تحمله لكل نفقات الحل فيقول «إن ذهبت (أنت) شمالاً فأنا يميناً وإن يميناً فأنا شمالاً» فيقدم أخاه على نفسه واضعاً غيره قبل نفسه مضحياً راضياً.
فى الكلمة الأولى نرى محبته تأبى الخصام وفى الثانية حكمته تقدم الحل وفى الثالثة شهامته تتحمل النفقات فيا لروعة الأخلاق.
وهذه الأخلاقيات الرفيعة قد امتُحنت بأحداث جسام بعد اعتزالهما عن بعضهما فظهر سموها بصورة أعظم ولمع بريقها بجمال أخاذ.
أولاً: عندما ألمت بلوط كارثة السبى المرير، فبمجرد ما سمع أبرام أن أخاه قد سبى جر غلمانه المتمرنين، وعرض للموت نفسه إذ خاض حرباً خطيرة مع أربعة ملوك، ولم يكل حتى كسرهم واسترجع أخاه بل وكل أملاكه، وفى ترفع العظماء يأبى أيّة مكافأة من ملك سدوم.
ثانياً: عندما اكتمل مكيال شر المدن التى كان يسكن فى وسطها لوط، وأتى الرب ليخبر إبراهيم بعزمه إحراقها بكل من فيها بالنار والكبريت، ينبرى إبراهيم متشفعاً فى أخيه ورغم انحطاط حالة لوط الروحية نجده يصفه فى حديثه مع الرب بالبار قائلاً: أفتهلك البار مع الأثيم، وهذا هو الوصف الذى يصادق عليه الرب بعد هذا بألفى عام فى رسالة بطرس الثانية2: 7 فما أعظمه تقديراً من رجل الشركة مع الله رجل الأخلاق العالية، نعم إن البغضة تهيج والمحبة تستر كل الذنوب أم10: 12 وما أبعد الفارق بينه وبين كثير من المؤمنين الذين يصفون خصامهم لاخوتهم بأنه ليس أكثر من مجرد اعتزال بينما الحقيقة هى أن اعتزالهم ليس إلا ستار لخصام بغيض. إن الكتاب يعلمنا أن الأشرار مشحونون خصاماً بينما الأبرار مشحونون صلاحاً رو1: 29 ، 15: 14. ويعلمنا أيضاً أن المؤمن هو عبد للرب وعبد الرب لا يجب أن يخاصم 2تى2: 24 وأنه كتلميذ للمسيح يكفيه فخراً أن يكون كمعلمه الذى قيل عنه لا يخاصم متى12: 19.
عزيزى القارئ هل أنت مخاصم؟ إن الخصام هو عمل الجسد وسمة الأشرار وعادة الأطفال «ومجد الرجل أن يبتعد عن الخصام» (أمثال20: 3).