أعلن الفنان الفرنسى الذى أشرف على إخراج حفل افتتاح مونديال 1998(نهائيات كأس العالم لكرة القدم) بفرنسا، أنه قدّم الحفل تحت شعار:
الفرح الممزوج بالجنون
وعندما قرأت هذه العبارة اتجه فكرى لشخص آخر عاش منذ حوالى 3000 سنة، بحث عن الفرح وأراد أن يختبره بأى وسيلة وكتب يحكى اختباره:
«قلت أنا فى قلبى، هلم أمتحنك بالفرح فترى خيراً (امتحن إذا كان الفرح يعطى الخير) واذا هذا ايضاً باطل. للضحك قلت مجنون (هو جنون) وللفرح ماذا يفعل (ما قيمته)؟ » (جامعة 2: 1 ،2).
أَلا يكشف هذا عن عطش النفس البشرية الشديد؟ فالناس تبحث بلهفة عن سعادة حقيقية دائمة، والعالم يجرى بجنون وراء شىء جديد يعطى نشوة وإثارة. لكن النتيجة الحتمية التى يصل إليها الجميع: الفراغ النفسى العميق ومباهج الحياة لا تملأه. وقد صرح أحد الفلاسفة الفرنسيين المشهورين وهو جان بول سارتر، صاحب فلسفة الوجودية قبل موته، قائلاً: life is an empty bubble on the sea of nothingness الحياة فقاعة هواء فارغة تسير على بحر من اللاشىء.
أَليس هذا ما أعلنه المسيح: «كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً» (يوحنا 4: 13). دعنا صديقى الشاب نقترب قليلاً من أبحاث سليمان المدونة فى سفر الجامعة لنعرف شيئاً عنها.
باطل الأباطيل
كتب سليمان سفر الجامعة قرب نهاية حياته، وقدم فيه خلاصة أبحاثه التى قام بها فى كل جوانب الحياة. ويبدو أنه كان يتساءل: أَتستحق الحياة حقاً أن نحياها؟ أَيوجد معنى حقيقى لها؟ ترى هل يمكن للثروة أو الشهرة أو الشهوة أو القوة أو الحكمة أن تملأ فراغ النفس؟ وجاءت الإجابة على أعتاب السفر «باطل الاباطيل قال الجامعة. باطل الأباطيل الكل باطل» (1: 2). وكلمة باطل تعنى : فراغ - تفاهة - جنون - انعدام القيمة. والملفت للنظر أن الذى يقدم هذا التقرير هو شخص استطاع أن يجرب كل شىء فى الحياة. كان ملكاً وحكيماً وغنياً، ومهما اشتهته عيناه لم يمكسه عنهما؛ لكنه أعلن «العين لا تشبع من النظر والأذن لا تمتلىء من السمع» (1: 8). نعم، والنفس لا ترتوى من كل مياه العالم.
صديقى القارئ، ربما أنت أيضاً تبحث عن ملء الفراغ الذى تشعر به. ربما تُمنَى نفسك بالشهادة الجامعية أو الوظيفة المرموقة أو الدخل المرتفع، أو ربما تفكر أن الارتباط بالفتاة التى تعلقت بها سيشبع جوعك العاطفى. دعنى أخبرك بصراحة أن هذه الأشياء، وغيرها الكثير جداً، لا يمكن أن تملأ فراغ نفسك، ما لم تختبر المسيح كالمخلص الشخصى وتشبع به أيضاً.
البحث عن الجديد
الناس متلهفة لكل ما هو جديد، والبحث عن الجديد هو فى ذاته الدليل على تفاهة كل ما فى الحياة. فإن كل ما فى العالم صغير عن أن يشبع قلب الإنسان. بل إن الاختراعات الجديدة التى نراها حولنا يومياً تؤكد أن حاجة الانسان لم تُلبَ بعد. يقول سليمان: «ما كان فهو ما يكون والذى صُنِع فهو الذى يُصنع. فليس تحت الشمس جديد. إن وجد شىء يقال عنه انظر. هذا جديد. فهو منذ زمان كان فى الدهور التى كانت قبلنا» (جامعة 1: 9 ،10)
كل ما هو مخلوق - تحت الشمس - يُنشئ تدريجياً الملل والضيق، لذا يتوق الناس لشىء حديث يسليهم أو يثيرهم. إنهم يشبهون أهل أثينا فى أيام بولس: لا يتفرغون لشىء آخر إلا لأن يتكلموا او يسمعوا شيئاً حديثاً. لكن حتى وهم يرون ويسمعون الجديد فإنهم غير قانعين بالحياة. (أعمال 17: 21). لماذا هذا الضيق؟ «لأن الله وضع الأبدية فى قلوبهم» ولا أحد يمكنه أن يجد السلام والشبع بعيداً عن الله. صلى أغسطينوس قائلاً: "يا الله لقد خلقتنا لنفسك، وقلوبنا تظل قلقة حتى تجد راحتها فيك". نعم أين الجديد؟ إنه عند الله فقط: اليوم «إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة» (2كورنثوس 5: 17)، وغداً «سموات جديدة وأرض جديدة» (رؤيا 21: 1) «نعم قال الجالس على العرش ها أنا أصنع كل شىء جديداً» (رؤيا21: 5).
الحكمة والمعرفة
درس سليمان الحياة من منظار بشرى «تحت الشمس» واستخدم الحكمة والمعرفة الإنسانية وبذل جهداً ووقتاً كثيراً للبحث والتفتيش. وكم من أشياء مثيرة فى الحياة الآن يحاول الإنسان اكتشافها: الفنون والعلوم، السفر والسياحة، الاثار والحفريات. هذه كلها أصبحت فى متناول اليد؛ فكر مثلاً فى شبكة الإنترنت وقدر العلوم والمعلومات التى تنقلها، وكيف يمكنك وأنت جالس فى بيتك أن تتنقل فى كل مكان فى العالم وتطلع على أحدث الاختراعات بل وتقوم بأكبر الصفقات!! لكن انظر ما وصل إليه سليمان: «رأى قلبى كثيراً من الحكمة والمعرفة. ووجهت قلبى لمعرفة الحكمة ولمعرفة الحماقة والجهل فعرفت أن هذا أيضاً قبض الريح لأن فى كثرة الحكمة كثرة الغم والذى يزيد علماً يزيد حزناً»!! (جامعة1: 16 -18) لاحظ قبض الريح: كأنك تقبض على الريح! بل وتنقبض روحك أيضاً فى ضيق واكتئاب!!
هل يقدم الكتاب المقدس الحل؟
نعم عند المسيح وحده الحل «عندك ينبوع الحياة وبنورك نرى نوراً» (مزمور 63: 9)، «كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً ولكن من يشرب من الماء الذى أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد. بل الماء الذى أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية» (يوحنا4: 31 ،41). وبدلا من "الفرح الممزوج بالجنون" يوجد عند المسيح «فرح لا ينطق به ومجيد» (1بطرس 1: 8).