. أَلم تلاحظ أنه من أبرز سمات عصرنا أن الناس يحبون أنفسهم لدرجة أنهم يضحون بأى شىء فى سبيل تحقيق رغباتهم وأطماعهم؟! أَوَلم تقرأ فى الكتاب المقدس ما أنبأ به بولس عن صفات الناس فى الأىام الأخيرة «يكونون محبين لأنفسهم محبين للمال ... محبين للذَّات دون محبة الله» (2تىموثاوس 3: 1-4).
وأريد أن أتحدث معك صديقى القارئ عن ثلاث مدارس ذكره الكتاب عن موقف الإنسان من النفس: تحدث المسيح فى مثل مشهور عن رجل غنى ناجح فى أعماله جداً(لوقا 21: 16-21)، هذا الرجل جعل من نفسه الإله الذى يتعبد له ويفكر فيه ويكرس كل إمكانياته لخدمته. عندما أخصبت كورته؛ فكر فى نفسه قائلاً: "ماذا أعمل؟". لقد غمره الله بخير كثير، لكنه بدلاً من أن يتجه للمصدر الحقيقى لكل خير ليمجده ويشكره ويتقيه، تحول لنفسه جاعلاً منها معبوده راغباً فى إشباع كل رغباتها .. «وأقول لنفسى (لا لربى) يا نفسُ لكِ خيرات كثيرة ... استريحى وكلى واشربى وافرحى».. أليس هذا هو تفكير رجل العالم اليوم؟! كثير من الراحة، وفرة من الأكل والشرب، متعة وفرح بأكبر قدر؟! فقال له الله: «يا غبى»؛ وقال أحدهم: "الغبى هو الذى تنتهى مشروعاته عند القبر". «يا غبى هذه الليلة تُطلَب نفسك منك».. آه، إن معبوده سيُقضى عليه، وكل ما خصصه لإشباع رغبات معبوده سيتبدد ويذهب. وعلق المسيح قائلاً: «هكذا الذى يكنز لنفسه وليس غنياً لله».
لقد جعل هذا الغنى من نفسه إلهاً، وتجاهل الله؛ فحذف الله اسمه من سجل الأحياء وطواه النسيان.
صديقى العزيز؛ ألست تتفق معى أن تعاليم هذه المدرسة منتشرة حولنا فى كل مكان؟! لذا احترس من أن تتأثر بأفكارها؛ فالمعبود الوحيد هو الله، والحياة هى الفرصة الوحيدة لنعبده ونخدمه. «فعظّمت عملى، بنيت لنفسى بيوتاً غرست لنفسى كروماً عملت لنفسى جنات وفراديس... قنيت عبيداً وجوارى ... جمعت لنفسى... اتخذت لنفسى... ومهما اشتهت عيناى لم أمسكه عنهما» (جامعة 2: 4-10).
هذه لغة أحكم الناس، سليمان، وهو يسجل اختباره للأجيال لعلهم يستفيدون منه. أراد سليمان، فى بحثه عن معنى الحياة، أن يجرب كل مصادر السعادة الدنيوية. وهذه فلسفة كثيرين فى هذه الأيام، بل ربما هى أكثر الفلسفات نجاحاً فى عصرنا هذا. الناس يظنون أن السعادة هى فى إشباع رغبات النفس، فى المتعة واللّذة والنشوة، وكل من تتاح له الفرصة يجرى بجنون فى هذا الاتجاه. البعض يستخدم المال، والبعض المركز، وآخرون القوة؛ الكل بهدف واحد، النفس. هل لاحظت يا صديقى كيف أن وسائل الإعلام تدفع الناس بالدعاية المكثفة والإعلانات الجذابة إلى المزيد من المشتريات والممتلكات الحسّية بهدف السعادة؟ والمفهوم السائد، خاصة بين الشباب: "تمتع بالحياة، لا تحرم نفسك من شىء يمكنك الحصول عليه". وهم لا يدرون أن تمتع الخطية وقتى.
لكن ما هى النتيجة التى وصل إليها سليمان؟
«ثم التفت أنا إلى كل أعمالى التى عملتها يداى وإلى التعب الذى تعبته فى عمله، فإذا الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس» (جامعة2: 11 ). هذا يعنى أن كل ما فى العالم أصغر من أن يُشبع النفس. أَلَم يقل المسيح «كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً» (يوحنا 4: 31).
ما العلاج إذاً؟ لا بد أن يجد القلب غرضاً أعظم يشبعه، ويصبح هو المركز الجديد للحياة، فيحرره من الانحصار فى النفس، ويطلقه خارج الأنانية البغيضة.
هذا ما اختبره بولس إذ قال: «لأن لى الحياة هى المسيح» (فيلبى1: 12 ). لقد وجد معنى الحياة فى أن يكون المسيح غرضاً ومحوراً. ترى كيف تحدّث المسيح عن التعامل مع النفس؟ لقد قدّم فكراً مختلفاً تماماً عن فكر العالم. فإن أردت أن تتبع المسيح اتّباعاً، حقيقياً فلابد أن تنكر نفسك.. «إن أراد أحد أن يأتى ورائى فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعنى» (لوقا 9: 32).
إنكار النفس لا يعنى احتقارها وإذلالها، بل أن أرفض مطاليبها، مفضّلاً طلبات سيدى عليها. وإن أردت أن تكون تلميذاً حقيقياً للمسيح، فعليك أن تبغض نفسك؛ هذا هو الشرط الذى وضعه السيد «إن كان أحد يأتى إلىَّ ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون لى تلميذاً» (لوقا14: 26 ).
قد تسألنى هل قول المسيح «يبغض نفسه» يعنى أن أهمل حياتى ودراستى ومستقبلى لأتبع المسيح؟ كلا يا عزيزى؛ لكن المسيح يريد أن يحتل المكانة الأولى فى المحبة حتى قبل النفس، بمعنى أنه إذا تعارضت طلبات نفسى مع طلباته هو، فعلىَّ أن أفضّل طلباته. نعم، إن هذا محك صعب. ثم إن أردت أن تخدم المسيح،فعليك أن تهلك نفسك «ومن يهلك نفسه من أجلى ومن أجل الإنجيل فهو يخلّصها» (مرقس8: 53 ).
إنى اعتقد أن هذا معناه الاستعداد لتقديم أغلى ما فى الحياة على مذبح التكريس والخدمة، فقد تتطلب خدمة المسيح السهر والسفر والتعرض للخطر أو المرض، قد تعنى البعد عن الأحباء وترك الأصدقاء، قد تعنى التحول عن كل الطموحات الدنيوية والآمال العالمية، وقد يصل الأمر إلى الموت لأجل المسيح ولأجل الإنجيل، قيل عن أبفرودتس إنه «من أجل عمل المسيح قارب الموت مخاطراً بنفسه» (فيلبى2: 30 ).
وبولس الرسول أعلن «لأنى مستعد ليس أن أُربَط بل أن أموت أيضاً... لأجل اسم الرب يسوع» (أعمال12: 31 ). أكان هؤلاء تعساء أم سعداء؟ اسمع ما يقوله الرسول «كحزانى ونحن دائماً فرحون كفقراء ونحن نغنى كثيرين كأن لا شىء لنا ونحن نملك كل شىء» (2كورنثوس6: 10 ).
ترى؛ أى مدرسة أثرت فينا أكثر؟!