ما أروع تلك العبارات التي قالها الرب يسوع وهو معلَّق على الصليب؛ فقد نطق بسبع عبارات، ما أعظمها. وعندما نقرأ مزمور 22 نجد أنه يفتتح بإحدى هذه العبارات وينتهى أيضًا بواحدة منها «إلهى إلهى لماذا تركتني» (مزمور 22: 1) «قد فعل (أي قد أكمل) » (مزمور 22: 31).
ولا عجب في ذلك، فهذا المزمور، وإن كان مزمور لداود، إلا أنه لغة رب داود وابن داود؛ الرب يسوع المسيح، حتى أنه يقول فيه «ثقبوا يدىَّ ورجليَّ» (مزمور22: 16)، وهذا ما ينطبق تمامًا على ما حدث في الجلجثة.
إلهى إلهى لماذا تركتنيتألم الرب يسوع آلامًا رهيبة؛ جسدية وأيضًا نفسية. فقد باعه أحد تلاميذه بمبلغ زهيد، واوثقه اعداؤه ومضوا به للمحاكمة، بصقوا على وجهه، لُطم كثيرًا في هذه الليلة، وأيضا جلدوه، ولم يكفوا عن الجلد «مزقوا ولم يكفوّا» (مزمور 35: 15)، اجتمعوا عليه شاتمين ولم يشتم عوضًا، ضفروا إكليلاً من شوك ووضعوه على رأســـه ... لكنه في روعة عجيبة تجاوز عن آلامه وأوجاعه، فقد كان متحننًا عليهم، شفوقًا جدًا على حالهم، وفى تسامح يفوق كل تسامح طلب الغفران لهم، إذ رفع نظرة إلى السماء وقال «يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون» (لوقا 23: 34). وهكذا رفعهم على ذراعي محبته العظيمة إلى أبيه، وطلب منه الرحمة لهم؛ ولا شك أن كل من حزن منهم على خطاياه وندم، وآمن به إيمانًا قلبيًا قد استفاد من طلبته هذه في الحال.
وبعد أن قضى الرب يسوع على الصليب ثلاث ساعات، وهو معلق على الخشبة، والدماء تنزف منه بغزارة؛ بغتة حدث شيء عجيب جدًا، فما كادت الشمس تتوسط السماء، إذ بها تُخفى أشعتها، وكأن الأرض لا تستحق نورها. وأمام جميع الأعين بدت السماء تكسوها الظلمة الحالكة رغم أنها صافية وبدون غيوم، ثم أتى الليل في وسط النهار فوق كل الأرض. وبالتأكيد فزعت مملكة الحيوان وأسرعت الطيور في ذعر الى أوكارها ووصل الذعر والهلع الى القصور والأكواخ... وعندما جاءت هذه الظلمة صَمْتَ المسيح تمامًا وفى نهايتها قال «إلهى إلهى لماذا تركتني؟»، مما يدل على أنه كان يجتاز الآم في هذه الساعات المظلمة تفوق جدًا إدراك عقولنا. والرب يسوع لم يكن يسأل أو يعترض، لكن سؤاله كان تعبيرًا عن الآلام المرة التي كان يجتاز فيها، هذه الآلام هي الآلام الكفارية.
لقد كان المسيح هو الشخص الوحيد الذى يستحق بسب كماله أن يرافقه الله كل الأوقات، ومع ذلك فقد تركه في ساعات الظلمة، لأنه كان يحمل قصاص خطايانا. ومع أنه قبلاً، في بستان جثسيمانى، ظهر له ملاك من السماء ليقويه (لوقا22: 43)، وبالتأكيد فأن الله هو الذى أرسل له هذا الملاك بكلام عظيم ليقويه به؛ لكن عندما أظلمت الشمس لم يحدث مثل هذا.
قد أكمل هذا هو أعظم خبر على الإطلاق، أخطر إعلان في المسكونة؛ ولكن ماذا عن معناه؟ لقد كانت هذه الكلمات هي:-
إعلان وفاء الدين: في الأوساط التجارية في ذلك الوقت، كانت هذه الكلمة تُكتب على وجه الكمبيالة عند سداد قيمتها، دليلاً قويًا على عدم جواز مطالبة الشخص بالدين فيما بعد. فالرب يسوع المسيح سدد كل الدين لذلك قال «قد أكمل».
هتاف إكمال العمل: لقد كانت صيحة فرح من العامل عندما ينهى عمله الشاق والصعب. والمسيح أنهى العمل تمامًا حتى أننا نستطيع أن نرنم بفرح:
ليس شيء باقيا لي لكى أعمل
إذ وفى ديني يسوع ذاك قد كمل
نغمة النصر العظيم: فهي صيحة هتاف من فم القائد العسكري الذى ينتصر على أعدائه انتصارًا ساحقًا. والله انتصر انتصارًا عظيمًا على الشيطان في صليب الرب يسوع المسيح «إذ جرّد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه» (كولوسى 2: 15)