* «فأطلب إليكم أيها الإخوة، برأفة الله، أن تقدّموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية، ولا تشاكلوا هذا الدهر، بل تغيّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم؛ لكى تختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة» (رومية12: 1، 2)، هذا ما أسميته أنت بالقانون الذهبي لفهم مشيئة الله، فهل لك أن توضح لي قصدك؟
(هكذا بادر الشاب صديقه الشيخ بمجرد أن لاقاه، إذ كان في شديد الشوق أن يستكمل الحديث عن فهم مشيئة الرب في حياته).
- قصدت أن هذا الجزء هو من أكثر الأجزاء الكتابية إلقاءً للضوء على ما ينبغي أن يهتم بتتميمه من يريد اختبار مشيئة الله في حياته؛ فهذا الجزء يبدأ بالقول «أطلب» وينتهى بالقول «لكى تختبروا إرادة الله»، فلنا أن نعتبر أن الطلبات في هذا الجزء هي الطريق المؤدى لاختبار مشيئة الله.
* وما هي الدروس التي تريد أن تستخرجها لنا من هذا الجزء؟
- في البداية لا يفوتني أن ألفت نظرك إلى استخدام الوحى لكلمة «تختبروا» وليس «تعرفوا» عندما تكلم عن مشيئة الله.
* وما الفرق؟
- الفارق كبير جدًا يا عزيزي. فأن "أعرف" مشيئة الله كما لو كنت آخذ رأى الرب كاستشارة منه، وأعطى نفسى الحق أن أعمل بها أو لا أعمل. لكن أن "أختبر" تعنى أن أمشى في هذه المشيئة لأتممها بكاملها.
* وماذا علىَّ أن أفعل لكى أختبر هذه الإرادة؟
- يُجمِل لنا الرسول ما هو مطلوب في ثلاثة أفعال «تقدموا» .. «لا تشاكلوا» .. «تغيّروا».
* لنبدأ إذًا بالفعل الأول.
- يقول الرسول «أطلب إليكم أن تقدّموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة».
* ماذا يقصد بأن أقدم جسدي ذبيحة؟
- فكِّر معي؛ هل سمعت عن ذبيحة أعلنت أنها تريد أن تُقدّم على المذبح بطريقة معينة أو بشروط خاصة؟
* بالطبع لا؛ فلا مكان لإرادة الذبيحة على المذبح.
- هكذا إذ أقدم جسدي كذبيحة فهذا يعنى أنني أسقط من الحساب إرادتي الشخصية. فأنا حين أقدم نفسى كذبيحة حية في طريق إتمام مشيئة الله، لا أفرض عليه رأيًا طالبًا منه الموافقة عليه فحسب؛ فليس ذلك وضع الذبيحة على المذبح. لكن لا تنسَ أن الذبيحة «حيّة» أي أنني بملء إرادتي واقتناعي أضع نفسى في موضع الخضوع والطاعة المطلقة لما يريد الرب.
* إذًا فالشرط الأول هو الطاعة؟!
- بكل تأكيد. لعلك تتذكر يونان؛ لقد أعلن له الله إرادته بمنتهى الوضوح، أن يذهب إلى نينوى، لكنه لم تكن له الرغبة فى الطاعة؛ لذلك فمع أنه عرف مشيئة الرب لكنه لم يتمكن من أن يختبرها.
* نعم، لقد أوقع نفسه في مأزق بعدم الطاعة.
- هل أدركت إذًا ضرورة أن أطيع الله لأفهم إرادته وأعيشها؟
* بكل يقين أدركت.
- لكن هل سألت نفسك لِم ينبغي أن أطيعه؟
* أرجو أن تسرد لي أسبابًا.
- إني أطيعه لأنى أعرف حكمته. فاختياره هو الأفضل، فلن يحدث أن يُخطئ في حساباته فأجنى من وراء فكره ما لا يُحمَد عقباه، كما حدث بكل تأكيد معنا إذ فضّلنا أن نسير خلف أفكارنا. كما أن اختياره هو الأضمن فلن يختار الله اليوم طريقًا يجده غدًا مسدودًا، كما يحدث كثيرًا إذا اتّبعنا آراء البشر.
* بكل يقين أن حكمة الله تملأ القلب ثقة في مشيئته.
- كما أنني أطيعه لأنى أدرك قدرته على تنفيذ ما يريده. فهو حين يضع خطة يقدر على تتميمها إلى النهاية، ولن تقف أمامه سدود. أما بالنسبة لمخططات البشر فمن يضمن لها أن تتم.
* أوافقك. وهل من سبب آخر؟
- من وجهة نظري، أعظم الأسباب التي تدفعني لطاعته أنني أنعم بمحبته وصلاح قلبه من نحوى. فلأنى موضوع حبه، ولأنه لا يكف لحظة عن إظهار صلاحه من نحوى؛ فإني أرى محبته توظف حكمته مع قدرته لكى يطوّع كل الأشياء لكى تعمل معًا لخيرى.
* أعتقد أنه بإزاء كل هذا ينبغي أن يعلن المؤمن خضوعه وطاعته للرب حبًا وتقديرًا. لكن دعني أسألك عن القوة التي تضمن لي الاستمرار في طريق الطاعة؟
- إنها «الإيمان».
* وكيف يكون ذلك؟
- خذ للتوضيح مثالاً حيًّا هو إبراهيم. لقد كان عنده ثقة كافية في الله مكّنته من طاعته.
* أرجو التوضيح.
- يقال عنه في عبرانيين 11: 17-19 «بالإيمان قدم إبراهيم اسحق... إذ حسب أن الله قادر»؛ فهو وثق في قدرة الله على أن يُحي اسحق حتى بعد موته. كما يقال عنه أيضًا في عبرانيين 11: 8 «بالإيمان إبراهيم لما دُعي أطاع أن يخرج... وهو لا يعلم إلى أين يأتي»؛ وهو هنا قد وثق في صلاح الله وأنه سيختار الأفضل له بلا شك. كذلك يُقال عنه في عبرانيين11: 9 ، 10 «بالإيمان تغرب... لأنه كان ينتظر المدينة التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله»؛ فهو هنا وثق فى حكمة الله أن ما قد أعد له هو الأبقى.
* إذًا علىَّ أن أثق في الله لكى أتمكن من طاعته؟
- وكلما تعمق إيمانك أكثر كلما أمكنك بسلاسة أكثر أن تطيع الله. (ساد صمت بعض الوقت قطعه الشيخ بالقول:)
- هل وعيت الدرس الأول في طريق مشيئة الله؟
* نعم؛ الطاعة.
- إذًا درِّب نفسك على أن تطيع ما يأمرك به، بادئًا بالأمور الواضحة لك والصريحة في المكتوب، وانتظر أن يدرّجك في هذا السبيل. وثِّق أنك لن تندم يومًا على طاعتك له؛ بل كلما قطعت شوطًا في طريق الطاعة واختبرت بركاته لن تندم إلا على كل خطوة عصيان سبق وخطوتها.
* لكن الطاعة ليست سهلة على طبيعتي البشرية.
- لكن لا تنسَ أيضًا في المقابل أن للعصيان نتائجه المرّة.
* وكيف أستطيع أن أطيع؟
- إذ تعلن عن رغبتك في طاعته، لن يتأخر الله ولن يعدم طريقة كي يعلمك الطاعة ويدربك فيها. ولا تنس أن تلاميذ مدرسة الله لا بد وأنهم مفلحون في النهاية. فقط اعلن التحاقك بها واستعدادك لأى نوع من التدريبات وإن كانت متعبة أو مؤلمة في بعض الأحيان؛ وسيقوم الله باللازم.
* اعتقد أن لحديثنا بقية.
- بكل يقين، إن شاء الرب وعشنا؛ سيكون لنا أن نكمل الحديث. لكنى أدعوك قبل أن نفترق أن تخطو خطوات في طريق اختبار قيادة الله لحياتك بأن تلتحق بمدرسة الطاعة.