النجاح هو تحقيق إرادة الشخص، أو الوصول للغرض المرجو من المجهود المبذول؛ ويصاحبه دائمًا شعور داخلي بالسرور والرضا عن النفس. وبالتالي يكون الفشل هو عدم إمكانية القيام بما هو مطلوب، أو عدم القدرة على الوصول للنتيجة المرجوّة رغم القيام بما هو مطلوب، ويؤدى إلى عدم تحقيق الإرادة، وإلى شعور بعدم الرضا وبالخوف والضيق. وهذا يشمل كل مجالات الحياة؛ صغيرها وكبيرها مثل الدراسة، والأعمال المنزلية، والعلاقات الاجتماعية،
والأمور الروحية... إلخ. والنجاح، وما يتبعه من شعور، هام لسلامة النفس.
والإحباط هو شعور بعدم إمكانية النجاح في المستقبل القريب، والعجز عن بذل أي مجهود آخر. وهو ينشأ نتيجة الفشل المتكرر؛ سواء في نفس الاتجاه أو في اتجاهات متعددة. كما أنه يختلف من شخص لآخر حسب القدرة على التحمل، ونوعية الشخصية، وحسب النظرة التشاؤمية للحياة.
بعض الأسباب الإنسانية للفشل
* قد تكون هناك ظروف مُحيطة تضغط على الشخص وتقف ضد طموحاته؛ وأحيانًا ضد تحقيق حتى رغباته العادية البسيطة. قد يتحملها شخص أكثر من الآخر، ولكن كلما طال الوقت سوف تؤدى في النهاية للشعور بالفشل لأى شخص مهما كان. والفشل المتتالي يؤدى إلى الإحباط، وما له من نتائج ومضاعفات نفسية. وهناك بعض الشخصيات، الشعور بالفشل قريب منها جدًا، بل هو سمة مُصاحبة لها؛ هذه الشخصية المتشائمة، تتوقع دائمًا أسوأ الاحتمالات حتى في أبسط الظروف، وبالتالي يحمل هذا الشعور في كيانه في كل الأحوال.
* إرادة الشخص الضعيفة تؤدى إلى العجز عن تنفيذ رغباته أو تحقيق طموحاته. قد يكون هذا الشعور وهمى نتيجة طموح زائد، وفراغ لا يشبع في كيان الشخص، مع أن عنده كثير «كل الأنهار تجرى إلى البحر والبحر ليس بملآن» (جامعة 1: 7).
* عدم قبول الإمكانيات الـمُعطاة للشخص من الله، والرضا بما وهبه، وبالتالي المحاولة المستمرة للحصول على ما لا تؤهل الشخص إمكانياته للحصول عليه، ومن هنا يأتي الفشل.
* عدم الخضوع للسلطان الإلهي ولتوزيعه في أمور الزمان، سواء إمكانيات عقلية أو مادية أو اجتماعية، كأن يكون هذا أول السلم وهذا آخره وذاك في الوسط.
المؤمن والفشل والإحباط:
* إن تقييمنا للفشل، للأسف، غالبًا ما يأخذ اتجاه أمور الزمان لأن كل تركيزنا فيها.
* الفكر الإلهي الدائم بالنسبة للمؤمن هو النجاح «في كل شيء أروم أن تكون ناجحًا وصحيحًا» (3يوحنا4). كما أن الرب يريد للمؤمن أن «كل ما يصنعه ينجح» (مزمور 1: 3).
* النجاح المستمر، روحيًا أو زمنيًا، غالبًا ما يؤدى إلى ارتفاع القلب والكبرياء، وعدم استناد المؤمن على الرب بل على نجاحه. لذلك قد يسمح الرب للمؤمن بفشل زمنى أو روحي. وأيضًا بسبب العنصر الإنساني في المؤمن وعدم معرفته تمامًا لنفسه، قد يكون الفشل عندئذ ضرورة حتمية لبعض المؤمنين في بعض الظروف.
* إن الرب، وهو يسمح بالفشل، عينه وقلبه على النتيجة المباركة التي سيحصدها المؤمن من وراء الفشل، والمشاعر المترتبة عليه، كقوله لبطرس «وأنت متى رجعت ثبِّت إخوتك» (لوقا22: 32). هو يكشف للمؤمن نفسه، ثم بعدها يكشف له عن مَنْ هو الله، وهذا أعظم ربح «أذلـَّك وأجاعك وأطعمك المن الذى لم تكن تعرفه» (تثنية 8: 3).
بعض صور الفشل المختلفة
* عجز عن ممارسة الحياة المسيحية الصحيحة، نتيجة هزائم متكررة وعدم اختبار طريق النُصرة الصحيح، مثل درس رومية 7 الذى في نهايته صرخ مُختبره «ويحي أنا الإنسان الشقي، مَنْ ينقذني.. » (رومية7: 14). وهذا من الدروس التي غالبًا ما يصل صاحبه إلى الإحباط واليأس قبلما يختبر طريق النُصرة الصحيح.
* عدم القدرة على تحمل المسئوليات الروحية المتزايدة، أو الانحناء تحت ضغط المشهد الروحي الخارجي، مثلما حدث مع موسى عندما فشل فيما كان يتميز به، فهو الذى «كان حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس على وجه الأرض» (عدد12: 3)، لكن يُقال عنه «لأنهم أمرّوا روحه، حتى فرَّط بشفتيه» (مزمور106: 33)
* فشل يتبع النجاح العظيم (وهذا يحدث غالبًا)، مثلما حدث مع إيليا الذى بعد ما ردَّ قلوب الشعب في 1ملوك18، نراه مضى لأجل نفسه، ثم ظن أنه بقى وحده في المشهد، ثم طلب الموت لنفسه في 1ملوك19.
* مقارنة المؤمن نفسه بغير المؤمنين، والغيرة منهم ونسيان سلطان الله ومحبته «لأنى غرت من المتكبرين إذ رأيت سلامة الأشرار» (مزمور 73: 3).
* قد يكون فشل ظاهري في أمور الزمان، لكن يصاحبه قمة النجاح الروحي، مثل يوسف؛ الذى عاش تحت ظروف ضاغطة لمدة سنوات عديدة، لكن في هذه السنوات ظهر في حياته قمة النجاح الروحي وكان «رجلاً ناجحًا» (تكوين 39: 2). أو مثل حبقوق الذى كان لا يملك شيئًا في الزمان، لكن لغته كانت «لكنى أفرح بالرب» (حبقوق3: 19)
* وقد يكون العكس، نتيجة مُداعبة رغبات الجسد والانجذاب للعالم؛ نجاح زمنى ظاهر يصاحبه فشل روحي عميق، مثل لوط الذى كان في سدوم جالسًا في باب سدوم؛ كأحد أكابر المدينة.
للحديث بقية، عن نتائج الفشل وطرق التعامل مع الشعور بالفشل؛ نستكمله العدد القادم بمشيئة الرب