إنه من العبث إن نبحث في وجود الله، فكل شيء في الوجود يعلن أن هناك إلهًا عظيمًا، قادرًا، حكيمًا، خالقًا لكل الموجودات.
فالأفلاك العظيمة بما فيها من كواكب ونجوم تعلن مجده، كما تعلنه أبسط خلية في نبات أو حيوان لا تُرى بالعين المجردة. إننا نرى عظمته في ميلاد الفجر، وفى تفتح زهرة، وفى طائر يبسط جناحيه. ونرى قدرته في وليد يولد، أو بذرة تنبت. ونرى حكمته حينما نتطلع إلى أنفسنا، فنرى العجب في أجسامنا، إذ يؤدى كل عضو وظيفته فى إتقان شديد، وتعمل الأعضاء معًا في توافق وتناغم. وندهش إذ نلحظ ما يعتمل في نفوسنا من فكر وعاطفة، ونرى قبس من محبته في حنو أب أو في رفق أم بصغارها. إن الكتاب المقدس يدعونا أن ننظر إلى السماء إذ نرفع إلى العلاء عيوننا لنتفكر فيمن صنع هذه. والمزمور يقرر أن «السماوات تحدِّث بمجد الله والفلك يُخبر بعمل يديه» (مزمور 19: 1). وسواء نظرنا فوقنا أو تحتنا، حولنا أو فينا، فلن يسعنا إلا أن نهتف «ما أعظم أعمالك يا رب، كلها بحكمتك صنعت» (مزمور104: 24).
وحينما يقول قائل إن الشمس غير موجودة، فالعيب ليس في الشمس، ولكنه في عينيه هو التي لا تستطيع أن تُبصر، وهكذا وصف المزمور الثاني مَنْ ينكر وجود الله بأنه جاهل إذ يقول «قال الجاهل في قلبه ليس إله (أي لا يوجد إله) ».
إن حقيقة وجود الله لهى أثبت حقيقة في الوجود، لكن يبقى السؤال:
الله مَنْ هو ؟
مع أن الخليقة تعلن عن وجود خالق عظيم، لكنها تعجز عن أن تبين لنا مَنْ هو هذا الإله. إنها تكلمنا عن عظمته وقدرته، لكن لا تستطيع أن توضح لنا شيئًا عن طبيعة شخصه أو عمن هو في ذاته.
قال أليهو الحكيم القديم «هوذا الله عظيم ولا نعرفه.... القدير لا ندركه» (أيوب36: 24، 37: 32).
وهذا ليس بمستغرب، فإن كانت أعمال الله غير مُدركة تمامًا، فكيف نتطلع أن ندركه تعالى بعقولنا المحدودة؟ وإن كان هناك الكثير من الأسرار لا نعلمها عن خليقته، فكيف ندرك الخالق؟
«أَ إلى عُمق الله تتصل؟ أم إلى نهاية القدير تنتهى؟ هو أعلى من السماوات فماذا عساك أن تفعل؟ أعمق من الهاوية فماذا تدرى؟ أطول من الأرض طوله وأعرض من البحر» (أيوب 11: 7-9).
ولكى نعرف نحن الله، فإن الطريق الوحيد هو أن يتنازل هو - تعالى اسمه - ليُعلن لنا ذاته.
ولأن الله صالح وجوّاد ويُسَّر بأن يكون في علاقة مع الإنسان؛ فقد أعلن ذاته لنا في كلمته المكتوبة؛ الكتاب المقدس، أولاً، ثم فاض بجوده، فأعلن ذاته لنا في الكلمة المتجسد، ربنا يسوع المسيح (يوحنا1).
ولكن كيف نستطيع أن نصف الله؟
إن الله كائن بذاته، حي بروحه، ناطق بكلمته؛ وهو فوق إدراكنا ووصفنا. ومهما أدركنا عنه يظل هو أعظم بما لا يُقاس مما أدركناه عنه، وأسمى وأجلّ مما وصفناه به.
والله هو الواحد والوحيد: «هكذا يقول الرب.. أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيرى» (إشعياء44: 6). «أنت تؤمن أن الله واحد. حسنًا تفعل» (يعقوب 2: 19).
وهو غير المتغير الذى «ليس عنده تغيير ولا ظل دوران» (يعقوب 1: 17).
والله كائن روحي «الله روح» (يوحنا4: 24).
وهو الكامل «أباكم الذى في السماوات هو كامل» (متى 5: 48).
وهو الصادق في كل أقواله وأفعاله: «ليكن الله صادقًا وكل إنسان كاذبًا» (رو 3: 4) «ومَنْ قبل شهادته فقد ختم أن الله صادق» (يوحنا3: 33).
وهو القدوس: «الله نور وليس فيه ظلمة البتة» (1يو1: 5)، «لأنه مكتوب كونوا قديسين لأنى أنا قدوس» (1بطرس 1: 16).
وهو الـمُحب «لأن الله محبة» (1يوحنا8: 16).
ولحديثنا عن الله بقية؛ نستكملها تباعًا بمشيئته.