في العدد السابق تحدثت عن التعفّف الذى يعنى ضبط النفس، وذكرت أنه من سِمات الرجولة. فالشاب أو الشابة الذى يمكنه التحكم في أفكاره وعواطفه وانفعالاته يبرهن على أنه شخص ناضج، يمكنه تحمل المسئولية. أما مَنْ لا يعرف كيف يتحكم في نفسه ويضبط كيانه، فهو لا زال يحمل سمات الطفولة، ويعانى من الضعف والاضطراب.
وأبلغ وصف لخطورة عدم ضبط النفس هو قول سليمان الحكيم: «مدينة منهدمة بلا سور الرجل الذى ليس له سلطان على روحه» (أمثال 25: 28).
تحدثت سابقًا عن ضبط الرغبات والعواطف، وأتحدث في هذا العدد عن ضبط المشاعر والانفعالات. وأركّز كلامي في موضوع «الغضب».
خير من الجبار
«البطيء الغضب خير من الجبار ومالك روحه خير ممن يأخذ مدينة» (أمثال 16: 32). هكذا يصف الكتاب الشخص الذى يتحكم في نفسه ويضبط انفعالاته. إنه أفضل من الجبار القوى ومن الفاتح المقتدر!! لكن كم من مرة صديقي الشاب استخدمنا عبارة مثل "أنا لم أضبط أعصاب؛ للأسف أنا طبعي حاد..."!! هل هذا عذر؟ وهل يتفق مع المؤمن الذى يسكن فيه الروح القدس وبه يستطيع أن يميت أعمال الجسد (رومية 8: 13)؟ إن الغضب (السخط) هو من أعمال الجسد (غلاطية 5: 20)، وليس طبعًا موروثًا لا يمكن تغييره كما يتحجج البعض!! وإلا فكيف نفسر وصية الكتاب : «فاطرحوا عنكم أنتم... الغضب السخط» (كولوسى3: 8)؟
الأسباب التي تؤدى إلى الغضب
1- الكبرياء: لعلنا نذكر نعمان السرياني الذى غضب من أليشع، لأنه لم يعامله كما كان يتوقع لما ذهب لمقابلته في البداية، فاعتبر ذلك إهانة له وغضب و«رجع ومضى بغيظ» (2ملوك 5: 11، 12).
2- عدم قبول التوبيخ: الكتاب يذكر لنا عن الملك آسا، الذى جاءه حناني الرائي حاملاً له توبيخا من الرب بسبب أنه لم يستند على الرب بل على البشر «فغضب آسـا على الرائي ووضعة في السجن لأنه اغتاظ منه من أجل هذا» (2أخبار 16: 7-10). وكم من الشباب يثورون وترتفع أصواتهم عندما يواجهون توبيخا لتصرف خاطئ أو فِعلَة حمقاء!
3- الإثارة من الآخرين: وهذا ما حدث مع موسى، الرجل الحليم الذى احتمل الشعب كثيرا طوال 40 سنة. لكنهم أمرّوا روحه وأثاروه بكلامهم، فغضب وارتكب الخطأ إذ ضرب الصخرة بعصاه مرتين بدلاً من أن يتكلم إليها (عدد20: 11). ربما نبرّر نحن موسى في موقفه، لكن الله وبّخه وأدّبه. وهذا يعلّمنا أنه لا عذر لنا إن كنا نغضب ونخطئ بسبب إغاظة الآخرين لنا.
4- الحسد ومشاعر الحقد: وهذا واضح في قايين (أول من ذُكر عنه في الكتاب أنه اغتاظ)، لما رأى أن الله نظر إلى أخيه هابيل وقربانه ولم ينظر إليه ولا إلى قربانه «اغتاظ جدًا وسقط وجهه (أي تغير شكل وجهه) » (تكوين 4: 5). وإذ أطلق العنان لغضبه، قام على أخيه وقتله. لننتبه حتى لا نحتفظ في قلوبنا بأي مشاعر حسد نحو أخ أو أخت، ولنطرح عنا هذه الخطية كلّية (1بطرس 2: 1).
5- البغضة: امتلأ قلب شاول الملك بالكراهية لداود، وخطّط للتخلص منه. ولما أحس بتعاطف يوناثان مع داود وإخلاصه له، انفجر في الغضب، وتكلم بأحط العبارات مع يوناثان (1صموئيل20: 30 ). وإني أتعجب كيف يمكن لشخص، من المفترض أنه رجل محترم، أن يثور إلى الحد الذى فيه ينفلت لسانه ويسب ابنه (الأمير)! إنه الغضب؛ وآه من عدم التحكم في النفس!
آثار الغضب ونتائجه؟!
«لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله» (يعقوب1: 20 ).
في كل مرة يحدث الانفعال والغضب، يتحرك الجسد في المؤمن؛ لذا فمن المستحيل أن يتمجد الله. ولا يستطيع المؤمن في هذه الحالة أن يصنع البر الذى يطلبه منه الرب. فإن من يغضب يُعطى الناس انطباعًا سيئا عن المسيحية. والكتاب يصف الآثار السلبية المرتبطة بالغضب؛ هذه بعضها:
1- التصرف بحماقة: «السريع الغضب يعمل بالحمق» (أمثال 14: 17). «بطئ الغضب كثير الفهم (ذو فهم كثير) وقصير الروح معلى الحمق (أما
السريع إلى السخط فيبدى حماقة) » (أمثال14: 29 ).
2- يسبب المعاقبة: «الشديد الغضب يحمل عقوبة» (أمثال 19: 19) أي الجامح الغضب يدفع ثمن جموحه.
3- يدفع للقسوة: «الغضب قساوة والسخط جراف (الغضب فظ والسخط قهار) » (أمثال 27: 4).
4- يسلب الحكمة: «لا تسرع بروحك إلى الغضب لأن الغضب يستقر في حضن الجهال» (جامعة 7: 9).
5- يستوجب المحاكمة: «قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجبًا الحكم؛ وأما أنا فأقول لكم إن كل من يغضب على أخيه باطلاً يكون
مستوجب الحكم» (متى 5: 22). ألا يدفعنا ذلك إلى أن نطلب عونًا من الرب باستمرار لضبط مشاعرنا والتصرف بلياقة كشهود للمسيح في العالم؟
«اغضبوا ولا تخطئوا» (أفسس 4: 26)
الغضب هنا مقصود به الغضب لسبب أمر يهين الرب؛ فعندما نرى الشر حولنا، والتطاول على مجد إلهنا؛ لابد أن نغضب. إنه غضب مقدس، ويختلف تمامًا عما ذكرناه سابقًا عن الغضب غير المقدس. إنه يذكرنا بغضب المسيح بسبب قساوة قلوب الفريسيين «فنظر حوله إليهم بغضب حزينًا على غلاظة قلوبهم» (مرقس 3: 5).
لكن حتى في هذا، يحذرنا الكتاب من أن نخطئ فنندفع في تصرف خاطئ أو كلمة جارحة.
أحبائي؛ دعونا إذًا نستمع لنصيحة الروح القدس لنا: «إذًا يا إخوتي الأحباء، ليكن كل إنسان مسرعًا في الاستماع، مبطئًا في التكلم، مبطئًا في الغضب؛ لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله» (يعقوب 1: 19، 20).