مازلنا أيها الأحباء نتكلم عن الحقيقة العُظمى، بل أعظم حقيقة على الإطلاق، حقيقة
إعلان الله عن ذاته
تكلمنا في العدد السابق أن الله يُعلن كالواحد والوحيد، وناقشنا نوع وحدانية الله الذى يعلنه الكتاب المقدس بأنه الوحدانية الجامعة للأقانيم. واستعرضنا بعض مواضع ذِكر الأقانيم في العهدين القديم والجديد، وبقى أن نقول إن الأقانيم الثلاثة متساوون ومتحدون اتحادًا كاملاً. فهم واحد في الذات والجوهر، ولكنهم متميزون وهذا معنى الأقنوم.
وليس معنى الاتحاد هنا أن الآب هو الابن، أو أن الابن هو الروح القدس، فأين التميز والأقنومية إن كان الحال كذلك؟ ولكن الصحيح أن نقول إن كل من الأقانيم الثلاثة يوصف بأنه الله، لكن هل يقول الكتاب المقدس عن كل أقنوم إنه الله؟
نعم، والآن سوف نستعرض بعض الأدلة على لاهوت كل أقنوم من الأقانيم الثلاثة:
لاهوت الآب
يقول يعقوب «اللسان الذى به نبارك الله الآب» (يعقوب 3: 9). ويقول الرسول بولس«مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح أبو الرأفة وإله كل تعزية» (2كورنثوس1: 3).
ويقول الرسول بطرس عن الآب «وإله كل نعمة الذى دعانا إلى مجده الأبدي في المسيح يسوع» (1بطرس 5: 10).
ويدعونا الرب يسوع في موعظته على الجبل أن نقدم العبادة من صلاة وصوم وصدقات إلى الله أبينا الذى في السماء، الذى يرى في الخفاء ويجازى علانية (متى6).
وفى حديثه مع المرأة السامرية يقول عن الآب «الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق... الله روح والذين يسجدون له «فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا» (يوحنا4: 23، 24).
لاهوت الروح القدس
يتكلم الكتاب المقدس عن الروح القدس باعتباره الله.
ففي سفر الأعمال يوبخ الرسول بطرس حنانيا قائلاً «لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس... أنت لم تكذب على الناس بل على الله» (أعمال5: 3، 4).
والروح القدس هو «روح الحق»، وهـو أيضـًا روح الحـياة، وروح الـمجد، وروح القـوة والمحـبة والنُصـح، وكلهــا صفات إلهية. وهو «الرب الروح» (2كورنثوس 3: 18). وهو أيضًا «روح الله القدوس» (أفسس 4: 30).
وكالله: فهو الخالق «روح الله صنعني ونسمة القدير أحيتني» (أيوب 33: 4). وهـو العــالِم بكـل شـيء «لأن الـروح يفحـص كل شيء حتى أعماق الله» (1كورنثوس2: 10). وهو «يُخبركم بأمور آتية» (يوحنا 16: 13).
وهو الموجود في كل مكان: تساءل داود «أين أذهب من روحك؟» (مزمور 139: 7). وهو غير المحدود: «مَنْ قاس روح الرب؟» (إشعياء40: 13).
لاهوت الابن
يتكلم الكتاب المقدس عن أقنوم الابن باعتباره الله. «وأما عن الابن: كرسيك يا الله إلى دهر الدهور» (عبرانيين1: 8). وعن الابن باعتباره الكلمة «في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله» (يوحنا 1: 1).
«ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس» (غلاطية4: 4). «والكلمة (الأزلي) صار جسدًا وحلّ بيننا، ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقًا» (يوحنا1: 14).
وعن هذا السر العجيب - سر التجسد، يكتب «عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد» (1تيموثاوس 3: 16). وهكذا ولد المسيح بكيفية عجيبة، قال عنها الملاك للعذراء مريم «الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك. فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يُدعى ابن الله» (لوقا1: 35 ).
والمسألة إذًا ليس أن المسيح إنسانًا ألهه البشر، ولكنه هو الله الابن مُخليًا نفسه ومتنازلاً في صورة إنسان.
لكن ما معنى بنوة المسيح لله؟
إن بنوة المسيح لله لا تعنى مطلقًا ما قد يُفهم أنها بنوة جسدية تناسلية؛ حاشا، لأن «الله روح» (يوحنا4: 24 ). كما أنها لا تعنى مطلقًا الأسبقية، كأن يُقال إن الآب بالضرورة أسبق من الابن كما يُفهم من البنوة الجسدية، فليس في الأقانيم سابق ولاحق، وإلا انعدمت المساواة التي تفتضيها وحدانية الجوهر، فالآب أزلي والابن كذلك أزلي.
ماذا تعنى البنوة إذًا؟
إنها تعنى مدلولات وعلاقات روحية بين الآب والابن مثل:
- المحبة المتبادلة: فـ «الآب يحب الابن» (يوحنا 3: 35). مثلما قال ربنا يسوع مُخاطبًا أبيه قائلاً «لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم» (يوحنا 17: 24). والابن يحب الآب، وقد قال لتلاميذه وهو ذاهب إلى الصليب «ليفهم العالم أنى أحب الآب» (يوحنا14: 31).
- المعادلة والمساواة: قال الرب يسوع «أنا والآب واحد» (يوحنا10: 30 ). وكتب عنه «الذى إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله» (فيلبى 2: 6).
- المشابهة الكاملة: فهو الذى أعلن لنا ذات الله، كما قال لفيلبس «الذى رآني فقد رأى الآب» (يوحنا 14: 9).
وإلى لقاء بمشيئة الله لنتناول الأدلة على لاهوت ربنا يسوع المسيح.