مبــاراة قصيرة

الحياة كمباراة الكرة، اللاعبون فيها هم البشر، والـحَكَم (القاضي) هو الله؛ يطلق الـحَكَم صفارته مُعلِنًا بداية المباراة، ثم يعود ويطلقها مرة أخرى ليعلن نهايتها.  وبين البداية والنهاية تجرى أحداث المباراة من "أوتات" و"فاولات"، وأهداف صحيحة تُحتسَب، وأهداف غير صحيحة تُلغى، وضربات جزاء وضربات أخرى؛ هي ملخص الحياة بجملتها.  وهى كمباريات الكؤوس أو Final games، لابد فيها من نتيجة؛ فوز أو هزيمة، ولا تعادلات.  والـحَكَم لا يُنَاقَش (أيوب33: 13).  فكل شيء مكتوب بدقة في تقريره، ما لك وما عليك.

قد ينزل واحد أرض الملعب، وبأمر الـحَكَم تبدأ المباراة، ثم يُفاجئ الجميع بصفارته ليعلن نهايتها بعد دقائق قليلة من بدايتها.  وهذا ما حدث مع ابنة يايرس ذات الاثنتي عشرة سنة، إذ انتهت حياتها بعد مباراة قصيرة، فإذ الأب يضطرب، ويتوسل للـحَكَم أمام الجماهير الغفيرة، وكأنه يريد أن يقول: ابنتي على الموت صغيرة (مرقس5).

وقد تطول المباراة، وتُلعب كاملة الأشواط كموسى وأيوب؛ فالأول لعب مباراة (واللعب هنا جدىٌ رسميٌ وليس بلا قيمة أو هزلىٌ) مدتها مئة وعشرين سنة، بدأت في أجواء سيئة ومعاكِسة من تهديد ووعيد من فرعون الذى أمر بطرح كل ابن يولد في النهر (خروج1: 22).  ورغم ذلك بدأت المباراة في قارب صغير جدًا صُنع خصيصًا لرضيع عمره تسعون يومًا، وكأنه تدريب وتمهيد للعبور العظيم فيما بعد (عبور البحر الأحمر) كأعظم قائد حربى عرفه التاريخ.  وبعد مباراة حافلة بالإثارة والندية، والتسديدات المتقنة القوية، أطلق الـحَكَم صفارته ليعتزل موسى الحياة، مكرَّمًا وموقّرًا وبكامل لياقته البدنية حيث « لم تكِّل عينه ولا ذهبت نضارته» (تثنية34: 7).

أما أيوب، وبعد أطول وأشرس تجربة مرّ بها، إذ كان قد خسر فيها كل شيء، المال والبنون، الصحة والكرامة، إلا أنه ظل ثابتًا في كل هذا ولم يخطئ أيوب بشفتيه (أيوب 2: 10)، حتى كسب ما خسره، وزاد الرب على كل ما كان له مضاعفًا، ورأى بنيه وبنى بنيه إلى أربعة أجيال.  ثم مات شيخًا وشبعان الأيام (أيوب24: 10 -17).

وقد تطول المباراة أكثر وتلعب وقتًا إضافيًا، وبأمر الـحَكَم طبقًا لقوانين اللعبة، كحزقيا الملك.  فبعد أن انتهى وقته الأصلي، أضاف له الرب خمس عشرة سنة (إشعياء38: 5)، ثم مات.

صديقي..  صديقتي..  لا شك أنك لا تختلف معي في أن الحياة قصيرة، مهما طالت.  ولكن سؤال العمر الهام: ماذا بعد هذه الحياة القصيرة؟ هل أحرزت فوزًا أم هزيمة؟ إن الإجابة الطبيعية لأذكى الأذكياء هي: لا أدرى!

 سألت مرة سيدة تعمل كضابط في شرطة المرور بمدينة لندن : ماذا بعد الحياة هنا على الأرض؟ فهزّت كتفيها وباستغراب شديد أجابت: "لا أعلم"، وربما تكون إجابتك أنت: "الله أعلم".

أما لغة تلميذ الكتاب المقدس فهي « نحن نعلم...  » (1يوحنا3: 14).  لذلك ليتك تأتى إلى المسيح فتفوز بالحياة لأنه « فيه كانت الحياة» (يوحنا1: 4)، بل هو « رئيس الحياة» (أعمال 3: 15).  وهو من قال عن نفسه: « أنا هو الطريق والحق والحياة» (يوحنا 14: 6).  وأيضًا « أنا هو القيامة والحياة» (يوحنا 11: 25).
وهو واهب الحياة « مَنْ يسمع كلامي ويؤمن...  فله حياة أبدية» (يوحنا5: 24).  وهو ضامن الحياة « وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد» (يوحنا10: 28 ).

فليتك تحب الحياة، وتذكر قول الرب « مَنْ يجدني يجد الحياة...  ومن يخطئ عنى يَضُرُّ نفسه.  كل مبغضي يحبون الموت» (أمثال 8: 35، 36).

صلاة: 
نعم يا سيدى..  حياتي هنا على الأرض أشبار، وكالبخار.  وقد تغرب شمسي وأنا بعد في وسط النهار..  فلا تجعل الدنيا تلهيني، وأحداثها تطويني وتستهويني، وإبليس يهزمني ويسبينى..  فخُذ بيدي أنا الضال راجيًا أن تهديني..  فأنت الحياة.