في بداية سفر التكوين نرى أول أخوين، قايين وهابيل؛ أولاد آدم الساقط. وربما نظن، للوهلة الأولى، أن هناك تشابهًا بينهما، لكن من تكوين4، نجد كل الاختلاف بين الأخوين سواء في الأسماء ومعانيها، أو عمل كل منهما، أو طريق اقترابهما لله، ثم أخيرًا نهاية كل منهما.
فحينما ولدت حواء أول ابن، فرحت به جدًا وأسمته قايين قائلة « اقتنيت رجلاً من عند الرب» لأن معنى قايين "اقتناء أو امتلاك". ثم عادت فولدت ابنًا آخر وأسمته هابيل، ومعنى هابيل "بخار"، وفى هذا صورة لحياتنا القصيرة على الأرض التي هي بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل. كان قايين عاملاً في الأرض؛ يتعب في حرثها وإلقاء البذار، ثم في سقيها وحصادها. بينما كان هابيل راعيًا للغنم، وفى رعايته للغنم تعلم كيف يهتم بالحملان الصغيرة وكيف يُطعم القطيع ويهتم به.
وحدث بعد أيام، أن كلاً من الأخوين شعر أنه مُذنب في حق الله، لأنه ولد بالخطية وفعل الخطية. والكتاب يُخبرنا بأن أجرة الخطية هي موت (رومية 6: 23)، لذلك أراد كل منهما أن يقترب إلى الله. لكن ما أبعد الفارق بين طريق كل منهما: قايين أراد أن يقترب إلى الله على أساس عمله وتعبه، إذ قدّم للرب من أثمار الأرض، ونحن نعلم أن الأرض قد لـُعنت بسبب الخطية (تكوين3: 17 )، وبالتالي فإن أثمار الأرض تحمل لعنتها. كذلك فإن الإنسان الذى يقدم من ثمر الأرض (أي من أعماله وتعبه) يقدم ما لا يمكن أن يقبله الله القدوس، لأنه يخرج من قلب نجس، إذ يذكر إرميا عن قلب الإنسان « القلب أخدع من كل شىء وهو نجيس. مَنْ يعرفه؟» (إرميا 17: 9)، والرب يسوع يذكر لنا « لأنه من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة؛ زنى فسق قتل سرقة طمع... جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتنجس الإنسان» (مرقس7: 12 -32). كما أن ما قدمه قايين، لم يكن فيه دم؛ والمبدأ الإلهي لغفران الخطية هو الدم والذبيحة لأنه « بدون سفك دم لا تحصل مغفرة» (عبرانيين 9: 22). كما اتضح من قصة آدم وستر الرب له بأقمصة من جلد (تكوين 3: 12). لكن قايين سار في طريقه الخاص والمرفوض، وهو طريق الأعمال، لذلك فشل في طريقه، فلم ينظر الرب إلى قايين وقربانه. إن كل مَنْ يريد أن يقترب إلى الله على أساس أعماله سيُرفض.
لكن هناك طريقًا واحدًا للاقتراب إلى الله، هو طريق الذبيحة، وهذا ما فعله هابيل إذ قدّم من أبكار غنمه ومن سمانها، وبهذا أعلن أمام الله أنه يستحق الموت. لذلك آمن بأهمية الذبيحة التي تُذبح بدلاً عنه، فكانت النتيجة أن الرب نظر إلى هابيل وقربانه.
قايين وهابيل أخوان، لكن ما أبعد الفارق بينهما وبين نهايتيهما. إن المسافة بينهما شاسعة جدًا كالتي بين الشرق والغرب. لقد شهد الرب عن هابيل أنه صدّيق (متى23: 35 )، ويذكر الروح القدس عنه أنه رجل الإيمان وأنه بار (عبرانيين 11: 4)، وأن أعماله كانت بارة (1يوحنا 3: 21). بينما قايين، وهو أول متدين، كان هو أيضًا أول قاتل، وهو من الشرير وأعماله كانت شريرة.
أخي.. أختي.. في أي طريق تسير؟ هل في طريق هابيل أم طريق قايين؟ إن الطريق الوحيد للاقتراب إلى الله هو الإيمان بذبيحة ربنا يسوع المسيح، الذى بذل حياته على الصليب من أجلك، وسفك دمه الكريم لكى يطهرك من كل خطية. إنه حَمَل الله الذى جاء ليرفع خطية العالم. إنه الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي إلى الآب إلا به. أما طريق الأعمال فهو مرفوض، فالأمر ليس بعمل تعمله أو قربان تقدمه إلى الله سواء حسنات أو صدقات أو أموال أو أصوام أو... لأن الكتاب يُخبرنا « لأنكم بالنعمة مُخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله. ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد» (أفسس 2: 8، 9). « وأما الذى لا يعمل ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر، فإيمانه يُحسب له برًا» (رومية 4: 5 اقرأ أيضًا إشعياء64: 6، رومية3: 12، 2تيموثاوس 1: 9، تيطس 3: 5).
لذلك أناشدك أن تُسرع الآن بالإيمان القلبي بذبيحة المسيح له المجد، وأن تحتمى في دمه المسفوك. تعال إليه تائبًا معترفًا بخطاياك واثقًا في كفاية شخصه وعمله، فتتمتع بالسلام مع الله وبالحياة الأبدية.