الحـــــنان

     لقد جاء الرب يسوع إلى العالم ليُعلن أن «الله محبة»، وليس كما يفكر البعض عن الله أنه جبار، مُنتقم أو متكبر. وقد أظهر المسيح كل الحب والعطف لعالم يفتقر إلى المحبة ولايعرف سوى الحقد والجفاء.  لقد جاء ليبشر المساكين ويعصب المنكسرى القلوب.  وجال يصنع خيراً ويشفى جميع المتسلط عليهم إبليس.  وكانت لذته فى أن يُسعد البؤساء ويخفف آلامهم.
ولنتأمل الآن فى بعض المواقف من حياة ذلك الإنسان السماوى التى أظهرت حنان قلبه الرقيق :

*
يذكر الكتاب عنه أنه «كان يسوع يطوف المُدن والقُرى يُعلِّم ... ويكرز .. ويشفى كل مرض وكل ضعف فى الشعب.  ولما رأى الجموع تحنن عليهم إذ كانوا مُنزعجين ومنطرحين كخراف لا راعى لها» (متى9: 35) .

*
ومرة أخرى طلب من تلاميذه أن يدخلوا السفينة ويسبقوه إلى العبر . وبعد فترة قصيرة هبت عليهم عاصفة فكانت السفينة فى وسط البحر مُعذبة من الأمواج. أما هو فقد صعد إلى الجبل ليُصلى، ولاشك أنهم هم كانوا موضوع مشغوليته.  لقد «رآهم معذبين فى الجذف»، وشعر بكل مايتعرضون له، وفى كل ضيقهم تضايق. إنه الشخص العطوف الذى يرِّق ويرثى لنا فى كل تجاربنا.

إنه يحس ويشعر بنا.  وفى الوقت المعين أتى للتلاميذ ماشياً على البحر.  فهو الذى يعين ويخلص إلى التمام ويحل كل مشاكلنا (مرقس6: 45-53).

* حتى مع الأطفال كان عطوفاً.  ذلك الشخص العظيم، كان لديه وقت للأطفال.  التلاميذ انتهروهم، أما يسوع فقال «دعوا الأولاد يأتون إلىّ ولاتمنعوهم ... فاحتضنهم ووضع يديه عليهم وباركهم» (مرقس 10: 16، متى 19: 13).

* أما فى تعامله مع المرضى والمُحتاجين فلم يتوقف عن العطاء. لقد جاء إليه أبرص يطلب إليه جاثياً وقائلاً «إن أردت تقدر أن تطهرنى.  فتحنن يسوع ومدّ يده ولمسه وقال له أريد فأطهر» (مرقس 1: 40).  لقد شعر يسوع باحتياجه النفسى قبل احتياجه الجسدى.  فقد كان يشعر بأنه منبوذ وكان يُعانى من الحرمان فاقترب منه يسوع بلمسة الحنان ولمسة الشفاء.

* وفى عيد لليهود ذهب يسوع إلى أورشليم (يوحنا5) وعند بِركة بيت حسدا وجد جمهوراً كبيراً من المرضى، يتوقعون تحريك الماء لأن ملاكاً كان ينزل أحياناً فى البِركة ويحرِّك الماء فمَنْ نزل أولاً بعد تحريك الماء كان يبرأ من أى مرض.  لهؤلاء ذهب ربنا المبارك مدفوعاً بحنانه لكى يشفيهم.  وكان هناك إنسان به مرض منذ ثمانِ وثلاثين سنة.  هذا رآه يسوع وعلم أن له زماناً كثيراً.  فقال له أتريد أن تبرأ؟ فأجاب هذا الإنسان إجابة مؤثرة من مقطعين: أولاً «ياسيد ليس لى إنسان» فهو يشعر بالوحدة والإنفراد ولايجد مَنْ يشعر به أو يساعده.  أما الشق الثانى من المشكلة فهو عجزه وضعفه «بينما أنا آتِ لأنزل ينزل قدامى آخر».  فلا رجاء فى الناس ولا رجاء فى نفسه.  إلى هذا البائس المسكين جاء يسوع بنفسه وقد قيل عنه «هوذا الإنسان» (يوحنا 19: 5) فهو الإنسان العطوف لمن ليس له إنسان. وبغض النظر عن البِركة وعن الملاك الذى ينزل أحياناً فى البِركة قال له «قُم واحمل سريرك وامشِ. ففى الحال قام وحمل سريره ومشى».  هذه عواطفه نحو كل عانِِ وسقيم.

له كل المجد،