"لا يهمني الطريقة، جلسة تحضير أرواح.. تنجيم.. قراءة كف.. حتى قراءة فنجان ..المهم أعرف السر". هكذا توسلت الدوقه إيزابيلا إلى عرَّاف البلاط الملكي. فأجابها الساحر: ولكن هذا سر عميق يا سيدتي، وسيحتاج منى إلى مجهود جبار ومُضنٍ مع الجان، وقد يكلف هذا جلالتك مبالغاً طائلة.
ضحكت الدوقه إيزابيلا، لا يهمني.. كل ملايين الجنيهات لك إن كشفت لي هذا السر بالذات. صمت العرَّاف وأخذ يتمتم ببعض عبارات السحر والشعوذة وقال: إذاً احضري لي الأموال الآن وأتعهد أنه قبل مرور ثلاثة أشهر ونصف أكون قد كشفت لكِ السر. نظرت إليه الدوقه بغضب وحزم قائلة: ولكن ما هو الضمان إن أعطيتك المال وأنت لم تكشف لي السر؟ أجاب الساحر بابتسامة صفراء باردة: سيدتي أنا مجرد عرَّاف فى البلاط الملكي لجلالتك، فإن مضى الوقت ولم أخبرك بالسر، فخذى المال وبالطبع ستأخذى معه رقبتي وحياتي، هذا بمقدورك وفى سلطانك.
تعالت ضحكة إيزابيلا بقهقهه ملأت جنبات القصر، وعادت وهى تحمل ملايين الجنيهات لتضعها بين يدى، بل وملء ثوب الساحر. ولكن الساحر قبل أن ينطلق بالمال ثبَّت عينيه الغائرتين عليها قائلاً: لكى يُكشف السر، عليكِ يا سيدتي أن تخضعي للسادة.. مَنْ هم؟ سألت الدوقه. أجاب الساحر: الجان.. السادة. أجابت إيزابيلا: وكيف أُعلن خضوعي لهم؟ قال العرَّاف: فقط عليكِ في كل صباح، وقبل أن تقومي بأي عمل، أن تقبّلي اللوحة الزيتية التي على جدران القصر؛ إنها صورة مسحورة، وإن فعلتِ هذا كل صباح، سيكون هذا إعلان ولائك للتوابع. وقَبِلت الدوقه، وقبّلت الصورة كل صباح.
وقبل أن يمر ثلاث شهور كانت الدوقه إيزابيلا قد فارقت الحياة بعد تدهور صحتها تدريجياً، وخسرت أموالها وحياتها، بل والسر الذى تريد أن تعرفه.
هل تعلم ماذا حدث؟ لقد كان هذا الساحر الداهيه يدهن، كل مساء. الصورة الزيتية بطبقة من السم عديم اللون والرائحة وكانت الدوقه في كل صباح، وهى تقبّل الصورة لتعلن خضوعها للشياطين وللجان، تلحس السم وتستنشقه في خضوع وخنوع وتسليم حتى الموت.
صديقي.. صديقتي.. أَ لم يكن سليمان على صواب حينما قال في أمثال27: 6 «غاشة هي قبلات العدو»؟
هل تعرف الثعابين الهائلة التي تعيش في الغابات وبالأكثر في غابات نهر الأمازون، وكيف أن جلدها ناعم جذاب، وعاكس للضوء بطريقة مميَّزة، حتى أنه عندما ترسل الشمس أشعتها الذهبية على الجلد الملون اللامع، في حين تكون الثعابين ملتفة في حركة دائرية تخفى فيها رأسها في مركز الدائرة، تبدو هذه الحيات من بعيد وكأنها ينبوع ماء. وكم يخلب هذا المشهد أنظار الغزالة الرقيقة العطشى في الصباح الباكر، فلا تتوانى عن أن تجرى بكل سرعتها لترمى بنفسها في وسط هذا الينبوع، وهى لا تعرف أنها تقدم نفسها بإرادتها قرباناً لهذا الوحش الرهيب، الذى يرفع رأسه بحركة سريعة ليبتلع هذه الغزالة المسكينة المخدوعة فلا يلفظ منها إلا حوافر أقدامها مع قرونها.
مرة أخرى اذكّرك بما قاله الحكيم «غاشة هي قبلات العدو». فسواء الساحر الخادع الذى جعل الدوقه ايزابيلا تُقبِّل السُم لتبتلعه كل صباح، أم هذه الثعابين التي تخدع بجمالها الخائن الغزالة العطشى لتبتلعها وهى حية.. كلها أمثلة باهتة لأكبر وأخطر قتّال كذاب داهيه خائن في العالم (يوحنا8: 44). فإبليس له فخ (2تىموثاوس2: 26)؛ وأخاف أيها القارئ أن تكون أنت واحد من ضحاياه، الآن في الفخ، أو في الطريق إليه. لهذا أحذرك من إبليس الماكر المتقلب الألوان، فهو يأتي إليك:
1- كأسد: «إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمساً مَنْ يبتلعه هو» (1بطرس5: 8)، في محاولته لبلعك والبطش بك، أو لبثّ الرعب والإحباط واليأس في داخلك.
2- كحية: «أخاف أنه كما خدعت الحية حواء بمكرها، هكذا تفسد أذهانكم» (2كورنثوس11: 3)، في محاولته أن يخدعك بالتلذذ والتمتع الوقتي بالخطية (عبرانيين 11: 25).
3- كملاك نور: «الشيطان نفسه يغيّر شكله إلى شبه ملاك نور» (2كورنثوس 11: 14)، إنه يخدع حتى من خلال أقدس الأمور الروحية.
4- كطيور السماء : «يأتي إبليس وينزع الكلمة من قلوبهم لئلا يؤمنوا فيخلصوا» (لوقا8: 21)، في محاولته لحجب وصول كلمة الله إلى أعماقك بأي طريقة.
إن إبليس قوى جداً، وسلاحه كامل لاستعباد أي إنسان مهما كان، «ولكن متى جاء مَنْ هو أقوى منه (الرب يسوع) فإنه يغلبه وينزع سلاحه الكامل الذى اتكل عليه ويوزع غنائمه» (لوقا 11: 22)، وهذا ما تم بتجسد الرب يسوع وموته وقيامته «فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم، اشترك هو أيضاً كذلك فيهما، لكى يبيد بالموت ذاك الذى له سلطان الموت أي إبليس، ويعتق أولئك الذين خوفاً من الموت كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية» (عبرانيين2: 14 ،15). ففي الصليب تحققت النبوة القديمة «هو يسحق رأسك وأنتِ تسحقين عقبه» (تكوين3: 15). وقد تم ذلك «إذ جرَّد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهاراً ظافراً بهم فيه (في الصليب) » (كولوسى2: 15). إن الاحتماء في المسيح المنتصر هو المكان الوحيد الذى نتمتع فيه بالأمان الحقيقي من هذا الماكر .. اسمع تحذير الرب في يوحنا10: 10 «السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك، وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة ويكون لهم أفضل»، من هذه الآية نفهم أن الشيطان هو:
1- السارق: اللص الأكبر... «وقع بين لصوص» (لوقا 10: 30).
2- يذبح: هو القاتل الحقيقي «ذاك كان قتّالاً للناس من البدء» (يوحنا8: 44). فهو يُطعم ضحاياه بالشرور والخطايا حتى يذبحهم في النهاية.
3- يهلك: انظر كيف يهلك إبليس الجسد (1كورنثوس5: 5)، وكيف دُعى يهوذا الإسخريوطي ابن الهلاك عندما سلم قيادة حياته للشيطان (يوحنا17: 12).
صديقي .. صديقتي .. دعني مرة ثالثة وأخيرة اذكّرك بالآية الواردة في أمثال27: 6 «أمينة هي جروح المحب وغاشة هي قبلات العدو»، فالرب يسوع هو المحب .. إن جرحنا فجراحاته أمينة، بل إنه هو الذى جُرح لكى يكسر فخ إبليس عنا. «الفخ انكسر ونحن انفلتنا» (مزمور124: 7).
فتعالَ واحتمِ الآن في هذا المجروح، ولابد أنك تغلب الشيطان «بدم الخروف » (رؤيا21: 11). فهل تصلى معي الآن بإخلاص من قلبك
صلاة :
يا مَنْ سحقت رأس الحية القديمة حين سُحقت برحى العدل الأليمة. خبئنى وقبلني في جراحاتك الرحيمة .. آمين.