يشبي بنوب

   لابد أنك تعرف قصة داود وجليات.  فإن لم تكن قد قرأتها في 1صموئيل17 فأنت قد سمعتها مراراً منذ أيام الطفولة.  ولا شك عندي في أنك قد تحمست في خيالك للراعي الصغير، داود، وهو يصوّب مقلاعه على العملاق جليات لينهى عليه بضربة واحدة.  ولابد أنك قد هللت له في مخيلتك وأنت تتصوره بوجهه الأشقر الجميل يعلوه إمارات الظفر، وهو يستل سيف جليات من غمده ويقطع به رأسه الضخم، مُعلناً انتصاره بصيحات الهتاف والانتصار.  فيا له من نصر مجيد!

   غير أن الذى ربما لا تعرفه هو قصة داود مع جبار آخر بخلاف جليات (اقرأ 2صموئيل 12: 15-17).  في أحدى الحروب التالية لشعب الله مع الفلسطينيين، نزل داود إلى الحرب مع جيشه آملاً في انتصار ساحق وسريع.  لقد انتصر من قبل كثيراً .. ولم يستطع حتى جليات أن يصمد أمامه، إنه سيردد مرة أخرى اسم رب الجنود الذى انتصر بواسطته من قبل.

   "أوه .. وما هذا العملاق الآتي علىَّ .."، كان هذا أحد جبابرة الرفائيين اسمه «يشبى بنوب»يبدو عليه الشراسة والقوة.  "لكنه يبدو أقل شأناً من جليات على أية حال .. لابد أنني سأسحقه هو أيضاً".  هكذا فكر داود في نفسه، واندفع ليحارب بحماس زائد، وربما أخذته نشوة الفكرة بانتصار جديد، يحظى معه بالمزيد من الإكبار وأناشيد الانبهار.  لكن الوقت يمر، والمعركة تزداد عنفاً، والعرق يتصبب على وجه داود، وقد ابتدأ يشعر بالتعب.. لابد أن يفعل شيئاً.
   استجمع شتات قوته واندفع يلقى بنفسه في غمار المعركة محارباً بكل قوته، ولكن الأمور لم تسِر كما يظن.  إن قواه تفارقه وقد ابتدأ التخاذل يتسرب إلى جسده الـمُتعب.  إنه يرفع سيفه بصعوبة، ولا يبدو أن المعركة على وشك الانتهاء.  وفي هذه اللحظة تقدم يشبى بنوب مُستلاً سيفه الجديد الحاد، وماسكاً برمحه ذي السنان الحادة، ورفع سيفه عالياً فوق رأس داود مطلقاً صيحات وحشية.  إنه سيقضى على داود ويثأر لجليات ابن عشيرته.  وفى اللحظة الأخيرة وقد أوشك يشبى بنوب أن يطيح برأس داود، أبصره أبيشاى بن صروية، فتقدم مُسرعاً لنجدة خاله، ووجّه مُسرعاً ضربة مُتقنة بسيفه، كانت هي القاضية؛ فأنقذ أبيشاى حياة داود.

   ربما أُصبت بخيبة الأمل من جرّاء هذه القصة، لأنك قد اعتقدت مثلى أن داود سينتصر دائماً وأبداً.
   أنت في حاجة أن تتفهم معي بعض المبادئ الهامة التي نتعلمها من هذه القصة:

1- إنه السيد الرب الذى يعلـِّم أيادينا القتال وأصابعنا الحرب «ولا يخلص الملك بكثرة الجيش.. فباطل هو الفرس لأجل الخلاص» (مزمور33: 16 ،17).  و«لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحي قال رب الجنود» (زكريا4: 6).  وإن تُركت لنفسي، ولو للحظة واحدة، بدون نعمة الله وقدرته وحمايته، لجلبت على نفسى أسوأ الكوارث ولتعرضت لأشنع الهزائم.  وقد وعى داود هذا الدرس جيداً فكتب يقول «لولا الرب الذى كان لنا ... إذاً لابتلعونا أحياء عند احتماء غضبهم علينا .. مبارك الرب الذى لم يسلمنا فريسة لأسنانهم» (مزمور124).

 2- إن الله لا يتدخل دائماً بطريقة معجزيه.  لقد قام الله بتوجيه حصاة داود ليقتل بها جليات في المعركة الأولى؛ وقد كان ذلك أمراً خارقاً للعادة.  أما في هذه المعركة فقد استخدم الله سيف أبيشاى بن صروية، أحد المحاربين في المعركة، للقضاء على يشبى بنوب.  وفى بعض الأحيان يصنع الله أموراً غير مألوفة أو متوقعة، أما الأكثر احتمالاً فهو أنه يستخدم الوسائل الـمُتاحة وما بين أيدينا ليحقق مشيئته.

3- هناك دائماً جبار آخر في الطريق إليك.  فلن يتوقف أعداؤنا عن العودة لمحاربتنا، ولن يتوقف النزال مُطلقاً، ما دمنا في الحياة، «فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات» (أفسس6: 12).  ولن يتوقف الشيطان عن تصويب سهامه الملتهبة إلينا! فهي حرب وليست معركة؛ فإن انتصرت في إحدى المواقع، فسوف تليها موقعة أخرى، وإن انتهى أمر جليات فسيليه آخر.  وإن رفضت ذات يوم شهوة الجسد أو إغراء العالم، فلن تكون هذه نهاية المطاف، فسيعرض عليك العالم بضاعته مرة ومرات بطريقة أشد اغراء وفتنة.  فالأعداء لا يستريحون ولا يهدأون، ولا يمكنك أن تعقد معهم معاهدة سلام.  كما أنك لا تستطيع أن تحارب يوم السبت مثلاً ثم تقرر أن تستريح في يوم الأحد لأنك قد أُصبت بالإرهاق.

   لذلك فقد كانت الوصية «اسهروا.. وصلوا» (متى26: 41) هي خير نصيحة لكلٍ منا.  فأنت لا تعرف من أي الاتجاهات سيأتي لك الجبار التالي، ومن أي الأركان سيأتي العدو في الموقعة القادمة، ولتحترس لنفسك جيداً يا صديقي حتى وإن انتصرت انتصاراً باهراً في أحد المواقع «مَنْ يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط» (1كورنثوس10: 12 ).

4-  لا تستطيع دائماً أن تحارب بمفردك.  فمنذ سنين خَلـَت انتصر داود بمفرده على جليات دونما مساعدة من أحد، ولكن فى هذه الموقعة استخدم الله أبيشاى لإنقاذ حياة داود.  أبيشاى، ابن أخت داود، الذى أثبت أنه كان شاباً ملتهباً عظيم البأس.  والذى لم يكن داود ليوافقه في كل أعماله.  على أنه، وبالرغم من كل أخطائه، كان أبيشاى هو الرجل الذى استخدمه الله لينقذ حياة الملك!
   فلا غنى لك عن أحد من إخوتك المؤمنين.  فكن على شركة دائمة معهم ولا تنفصل عن أيهم! ربما سيتملكك العجب عندما تصل إلى السماء لتكتشف كيف، وكم مرة، استخدم الله أحد إخوتك على الأرض ليقدم لك المعونة اللازمة لك في رحلة الحياة، وفى نزالك مع أعدائك.

استدراك


نعتذر عن خطأ مطبعي حدث إذ سقط سهواً بضعة سطور في العدد السابق؛ ص12، في مقالة «ينبغي أن تولدوا من فوق»، اعتباراً من السطر31، ولكى يستقيم المعنى تقرأ العبارات هكذا: يا من لديك كمّ كبير من المعلومات الكتابية، وتحب دراسة كلمة الله، وربما خدمت فانبهر السامعون بما قدمت.  يا من تؤمن أن الله واحد وأنه مثلث الأقانيم، ولا تشك لحظة في أن المسيح هو ابن الله الذي تجسد من العذراء بالروح القدس، وعاش حياة قدوسة كاملة، وصنع المعجزات التي برهنت على لاهوته ومحبته للبشر....