الغناء الرقيق في بيض البطريق

من الطبيعي أن يزور السائح في استراليا "فيليب أيلند" القريبة من مدينة ميلبورن، ليس فقط لأجل الطبيعة الخلابة الرائعة هناك والتي تحكي عن عظمة الخالق، ولا فقط لأجل الشاطئ المثالي لمحبي السباحة حيث الرمال الناعمة، ولكن الأهم من ذلك هو أن ترى طائر البطريق الذي هو فعلاً طائر رقيق.  ففليب أيلند أحد مكانين في كل العالم يمكنك فيها أن ترى البطريق وهو يعيش في بيئته الطبيعية، ويمكنك أن تكون على بعد سنتيمترات منه، وأظن أن من يشاهد هذا الطائر الرقيق على الطبيعة من الصعب أن ينسى هذه الليلة طوال حياته.

ففي فيليب أيلند، وعلى المحيط مباشرة، وضعوا مدرجات تشبه مدرجات استاد كرة القدم وتسع لحوالي 700 متفرج، ويأتي المشاهدين قبل الغروب بفترة ليجلسوا في أماكنهم، وتُضاء الأضواء الكاشفة القوية في اتجاه المحيط، انتظارًا للحظة الحاسمة عند غروب الشمس، حيث يبدأ البطريق في التجمع تدريجيًا، لأنه لا يخرج إلا في مجموعات لا تقل كل مجموعة عن 200طائر، وأنت تشاهدها تتجمع كعقد فضي مكتمل الحلقات. 

وإذ بالمجموعة التي تكوّنت تخرج متهادية في مشية مميَّزة تشبه مشية الإنسان المنتصر رافع الهامة، وتراه وكأنه يصفق بجناحيه.  وإذ يقترب منك بلونه الفضي نتيجة انعكاس الضوء عليه، لابد أنك تهتف مع كاتب المزمور «ما أعظم أعمالك يا رب، كلها بحكمة صنعت» (مزمور 104: 24).  وعندما تقترب المجموعة من المدرجات تتحول إلى ثنائيات من الأزواج والزوجات، لتدخل إلى المدرجات في طُرق خُصَّصت لها لتمشي بين المتفرجين الذين يتركون أماكنهم ليتابعوا دخول كل ثنائي وهو يغني إلى عشِّه الخشبي بين الأشجار، حيث تسمع الغناء الشجي الرخيم من الآباء للأفراخ وصدى الغناء من الأفراخ للآباء.  ثم يتجه المشاهدون ليروا مجموعة أخرى تكونت وهكذا.

من أكثر أنواع البطريق التي تحب الغناء البطريق الملكي، إذ أنه أكثر المخلوقات غناء على الأرض، فعندما يتواجد الذكر مع الأنثى يغني الواحد للآخر، وعندما تضع الأنثى بيضها تذهب لمدة أسبوعين تقريبًا إلى المحيط لكي تأكل وتتغذى وهي تغني، وبينما هي في المحيط يرقد الذكر على البيض ويغني وبعدها تعود الأنثى من المحيط تغني لتجد الذكر أيضًا يغني.  ولكن من المدهش والعجيب أن من يقترب من البيض قبل أن يكسر الأفراخ البيض يسمع غناء الصغار وهم لا يزالون في البيض قبل أن يفقس!  وما أعذب الغناء الرقيق في بيض البطريق، حقًا إنه البطريق الملكي!

أسمعك أيها القارئ العزيز وأيتها القارئة العزيزة تقولان لي مالك تذكّرنا بهمومنا نحن البشر، فالإنسان لا يغني قبل أن يولَد، ولا حتى يولد صامتًا، لكن العلم والطب قد حددا الصرخة، وليس الأغنية أو البسمة، كعلامة أكيدة لسلامة المولود الجديد، وبدونها يخاف الطبيب على صحة المولود.  يولد الإنسان يصرخ، يعيش في آلام وهموم وغيوم وجراح وأتراح الحياة.  يصرخ حتى يصرخ صرخة الموت، فيصرخ أحبابه من حوله عليه، ليظل بعد ذلك يصرخ إلى أبد الآبدين في الجحيم، فهناك يكون البكاء وصرير الأسنان (متى 8: 12).  لقد كان أيوب على حق إذ وصف ذلك وقال: «الإنسان مولود للمشقة...  الإنسان مولود المرأة قليل الأيام وشبعان تعبًا» (أيوب 5: 7؛ 14: 1).

هل تعلم لماذا يولد الإنسان يصرخ؟  ويظل يصرخ إلى أبد الآبدين؟  الإجابة القاطعة والوحيدة هي الخطية.  فالإنسان يولد بالخطية كما قال داود: «ها أنذا بالإثم صوِّرت وبالخطية حبلت بي أمي» (مزمور 51: 5).  أدعوك أن تعرف وتتذكر ما قاله الرب يسوع المسيح في حديثه الهام مع نيقوديموس رئيس اليهود إذ قال له «المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح» (يوحنا3: 6).  قال له المسيح هذا بعدما قال له أولاً «الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولَد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله.  قال له نيقوديموس كيف يمكن للإنسان أن يولَد وهو شيخ؟  أَ لعلّه يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولَد؟  أجاب يسوع الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله» (يوحنا 3: 3-5).

فهل أدركت معنى الولادة من فوق؟  الولادة من فوق أي الولادة من الله، كما هو مكتوب «وأما كل الذين قَبِلوه (أي الرب يسوع) فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنين باسمه، الذين وُلدوا..  من الله» (يوحنا1: 12، 13).  الماء كناية عن  كلمة الله ومعلَّم اليهود يعرف ذلك، فمكتوب «لأنه كما ينزل المطر والثلج (الماء) من السماء ولا يرجعان إلى هناك بل يرويان الأرض ويجعلانها تلد..  هكذا تكون كلمتي» (إشعياء55: 10 -11، انظر أيضًا حزقيال 36: 25-27).  والرسول بولس يكتب ذلك «أحب المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكي يقدسها مطهرًا إياها بغسل الماء بالكلمة» (أفسس5: 25 -26، انظر يعقوب1: 18 ؛ 1بطرس 1: 23).

الروح القدس يستخدم كلمة الله، الإنجيل، الذي يعلن أن الرب يسوع مات من أجل خطايانا كالفادي والبديل، ودُفن وقام.  كلمة الله هذه يستخدمها الروح القدس لتولد النفس ولادة ثانية جديدة من الله، وعندها تتمتع بطبيعة جديدة «إذًا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدًا» (2كورنثوس 5: 17) وكما في الولادة الأولى يصرخ المولود ففي الولادة الثانية يصرخ الإنسان «اللهم إرحمني أنا الخاطي» (لوقا18: 13).

وما أن يحصل على هذه الطبيعة الملوكية يبدأ في غناء الأغاني الروحية.  ليعيش في طاعة الوصية «لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى وأنتم بكل حكمة معلمون ومنذرون بعضكم بعضًا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية بنعمة مترنمين في قلوبكم للرب» (كولوسي3: 16).  اسمع ما يقال للمولودين من الله «افرحوا في الرب كل حين» (فيلبي4: 4).

  وفي السماء سيتحقق المكتوب «ولهم كل واحد قيثارات..  وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين مستحق...  لأنك ذُبحت واشتريتنا لله بدمك...  وجعلتنا لإلهنا ملوكًا وكهنة» (رؤيا5: 8 -10)، و«لا صراخ في ما بعد» (رؤيا12: 4).  هل تتمنى هذه الحياة الأسعد من البطريق الملكي الرقيق؟  فلتصرخ معي في الصلاة مرة، فتغني مع المسيح إلى الأبد

صلاة:
يا من لأجلي صُلِبت في جراح وصراخ، لتنسج لي الأفراح والنجاح، أدعوك بإلحاح، لترحمني وتمنحني السماح، فينجلي ليلي ويشرق لي الصباح  آمين.