دروس من الطفولة الطبيعية

 

القارئ العزيز
هل ترغب في أن يرجع الزمن بك إلى الوراء، فتجد نفسك طفلاً من جديد، تلهو وتمرح وتسعد بطفولتك، قبل أن تُثقِلَك هموم الدراسة وضغوط الامتحانات، وقبل أن تدخل في مشاكل العمل ودوامة الارتباط.

إن الطفولة ولا شك مصدر سعادة وبهجة.  وهي تجسِّم كل معاني البراءة والبساطة والنقاء وكل ما يستحوذ الإعجاب والعطف والإشفاق.  والرب الذي يحمل الفَلَك بكلمة، أظهر حباً وحناناً خاصاً للأطفال حيث كان يحملهم في حضنه.  ولا شك أنه كان يقصد شيئاً هاماً عندما قال لتلاميذه «إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات» (متى 18: 3).  وقد سبقت الإشارة أن عائلة الله تتضمن الأطفال والأحداث والآباء.  ومن الطفولة الطبيعية نستطيع أن نستخلص دروساً روحية مباركة:

1- الطفل مثال للاتكال والاعتمادية 

إنه أضعف مخلوق في الوجود.  ومن لحظة ولادته، ولبضعة سنوات، هو يعتمد بالكامل على مساعدات الآخرين، وإلا فإنه يموت.  وهو درس روحي هام لكل طفل في عائلة الله.  فإن الحياة التي نالها بالولادة من الله تعتمد كلية على الله.  والمؤمن لا يستطيع أن يستغني عن الله أو يستقل عنه لحظة واحدة.  إنه يشعر بضعفه وضآلته ومسكنته واحتياجه المستمر، وأنه بدون الرب لا شيء على الإطلاق.  ولا يستطيع أن يواجه ظروف الحياة، أو مقاومة الأعداء، لا يستطيع أن يثبت أمام تجارب الشيطان، لا يعرف كيف يحمي نفسه من شر الطريق، ولا كيف يكفي نفسه في الضيق المحيق، ولا يستطيع أن ينجح في حياته الروحية أو الزمنية؛ بدون الرب.  لذلك فهو يعيش أيامه متكلاً على الرب ومتعلقاً به كمحط آماله وملجأه.  وهو يهدأ ويطمئن بين يديه الحانية. ولعلنا نتذكر أن من العلامات التي تميز المولود من الله أنه يصلي.  فالصلاة هي أجمل وأصدق تعبير عن حالة الاتكال والاعتمادية على الله.  إنها الضعف البشري مستنداً على قوة القدير.  إنه يقول مع المرنم:

مثل طفل أرتمي بين يديك
                     أنت لي كل الرجاء
أنت لا تخزي الذي يأتي إليك
                     أنت يا رب الفداء أيها

2- الطفل مثال للبساطة والنقاء ويصدق كل شيء.

والبساطة بالمفهوم الروحي تعني الهدف الواحد.  والرب يريدنا أن نكون بسطاء في وسط جيل معوج وملتوِ (فيلبي 2: 15).  والكتاب أشار كثيراً إلى العين البسيطة وهي العين التي تنظر في اتجاه واحد وتستقر على غرض واحد هو المسيح.  إن العالم قد يبهر المؤمن أو المؤمنة بأضوائه وبما فيه من إغراءات كثيرة جذّابة.  لكن العين البسيطة لا تتطلع إلا إلى الرب وتبقى مثبتة عليه.  إنه المؤمن القانع بالرب والذي لا يبحث عن سواه. والطفل في نقائه لا يفهم في الشر، ولم يتدنس بمعلومات كثيرة عن الخطية.  والرب يريدنا أن نكون «أولاداً في الشر»، وأن نحتفظ بأذهاننا نقية.  وليس من الصالح إطلاقاً أن تُفسَد أذهان المؤمنين عن البساطة التي في المسيح.  وينبغي أن لا يسعى الشاب أو الشابة للحصول على مزيد من المعلومات عن الشر الذي في العالم.  أما المعلومات المفيدة والمطلوبة فستصل في الوقت المناسب. كذلك فإن الطفل في بساطته يصدِّق كل شيء ويثق في كل ما يقوله أبوه ولا ينسى ما وعده به.  وهكذا يريدنا الآب السماوي أن نثق في كلامه ونتمسك بمواعيده ونطالبه بها.  وهو أمين كامل في كل وعد يصدق.

3- الطفل مثال للاتضاع.

  إنه يقنع بالقليل وليس له طموحات عالية.  سأل التلاميذ الرب يوماً «من هو أعظم في ملكوت السماوات؟  فدعا يسوع إليه ولداً وأقامه في وسطهم وقال:... من وضع نفسه مثل هذا الولد فهو الأعظم في ملكوت السماوات» (متي18: 1).  وهذه الإجابة تعني أن الاتضاع حتمية للدخول للملكوت.  وما أجمل أن يتحلى المؤمن بروح المسيح وفكر المسيح، الذي اتضع ونزل وكان قانعاً بالمكان الأخير، وبأقل نصيب في الحياة.  لقد «وضع نفسه» عن أي إنسان، وقط لم يرتفع قلبه ولم يطلب لنفسه أموراً عظيمة.  عاش بأقل إمكانيات وكان راضياً وشاكراً.  وترك لنا مثالاً لكي نتبع خطواته. «غير مهتمين بالأمور العالية بل منقادين إلى المتضعين» (رومية 12: 16).

إن تطلعات وطموحات الطفل قليلة ومحدودة وآماله في الحياة بسيطة للغاية.  إنه يرضى بأي وضع، ولا تفرق معه كثيراً.  وأبسط شيء يفرحه.  وهذا ما يجب أن يتحلى به كل مولود من الله.  فيتعلم أن يكون قانعاً ومكتفياً.  يؤدي واجبه بهدوء واجتهاد، دون أن يرتبك بشأن المستقبل.  فالمستقبل في يد الرب المُحب الذي معه أمرنا.

والطفل إذ يشعر بأنه صغير فهو يقبل كل نصيحة أو توجيه دون أن يغضب أو يشعر أن كرامته جُرِحَت.  وهذه هي الروح المتضعة. ليت كل شاب أو فتاة في عالم اليوم حيث الصراع والسباق على المكان الأول والمكانة الأعظم، يتعلم من المسيح الذي قال «تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب.  فتجدوا راحة لنفوسكم» (مت11: 29).

4- الطفل يغفر وينسي الإساءة بسرعة.

وهذا ما يجب أن يتحلى به كل مؤمن في عائلة الله.  وهذا يكون سهلاً إذا توفرت الروح المتضعة.  فلا يطلب الشخص حقوقه ولا يعتبر كرامته، بل يكون عنده الاستعداد ليغفر لأخيه زلاته وينسي ما مضى.  المحبة تحتمل كل شيء وتصبر على كل شيء.  المحبة تصدّق كل شيء، وتفترض النوايا الحسنة، وتسعى للسلام وليس الخصام.  المحبة تجعل الشخص على استعداد أن يعود إلى جو المودة والشركة مع الشخص الذي أخطأت في حقه.  ويحرّض الرسول المؤمنين في أفسس قائلاً «كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض، شفوقين، متسامحين كما سامحكم الله أيضاً في المسيح» (أفسس4: 32). 

علمني كيف يا رب أسامح
                  مَنْ بعناد حقي استباح

ذكرني كيف غفرت لي أنت 
                 بكل حب وسماح
(يُتبع)