أخوان إسماعيل وإسحاق

 هما أخوان من أب واحد هو إبراهيم، لكن من أمّين.  وقد تشابها في بعض الأمور: إذ تسمى كل منهما قبل ولادته (تكوين16: 11؛ 17: 19)، وكل منهما باركه الرب (تكوين17: 20؛ 25: 11) وكل منهما قد خُتن(تكوين17: 25؛  21: 4).  ولكنهما اختلفا في أمور كثيرة جداً نتحدث عنها في السطور التالية.

في تكوين 12 دعا الله إبراهيم ليترك أرضه وعشيرته وبيت أبيه، ويذهب للأرض التي يُرِيه إياها الرب، وأخبره أنه سيكون أمة عظيمة؛ ولم يكن لإبراهيم أبناء وكان عمره 75 سنة وزوجته سارة كان عمرها 65 سنة.  وآمن إبراهيم بالله، فترك كل شيء وتبع الرب.  وبقى لسارة أمل في الولادة لمدة عشر سنين، ولكن مع الوقت ضاع الأمل، فقالت لإبراهيم: إن الرب قد أمسكني عن الولادة، وأشارت عليه أن يدخل على جاريتها المصرية.  فتزوج إبراهيم هاجر، وكان هذا تصرفاً جسدياً، حصاده مر، دل على ضعف الإيمان وعدم انتظار الرب. فحبلت هاجر وولدت لإبراهيم ابناً ودعا اسمه «إسماعيل»، ومعنى اسمه الله يسمع، وتسمّى بذلك لأن الله سمع لمذلة هاجر أمه بعد أن هربت من وجه مولاتها سارة.

وبعد 13 سنة من ولادة إسماعيل تكلم الله مع إبراهيم عن تحقيق وعده السابق - لأنه لا ينسى مواعيده - أنه من سارة سيأتي له بابن.  وكان عمر إبراهيم 99 سنة، وكان قوياً في الإيمان (رومية4: 19).  وتحقق وعد الله لإبراهيم، وأعطاه ابناً من سارة في شيخوخته، بعد 25 سنة من وعد الرب له.  وسمى ابنه «إسحاق» ومعناها ضحك، لأن ولادته المعجزية سببت ضحكاً وسروراً عظيماً لسارة أمه ولإبراهيم وللجميع (تكوين21: 6).  وإسحاق رمز لابن الله الوحيد، الذي هو موضوع وفرح وسرور الله أبيه منذ الأزل (أمثال8: 30)، وفي مجيئه لأرضنا متجسداً صار فرح عظيم، وأيضاً سبّح جمهور من الجند السماوي قائلين «وبالناس المسرة» (لوقا2: 14).

وصنع إبراهيم وليمة عظيمة يوم فطام إسحاق؛ فقد جاء الوارث الحقيقي، الابن الموعود به من الله، بينما لم يُذكر أي شيء عن إسماعيل في طفولته.  ولقد شعر إسماعيل أن إسحاق أخذ مكانه، لذلك بدأ يضايقه، وحينما رأت سارة ذلك غضبت وقالت لإبراهيم «اطرد الجارية وابنها، لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحاق» (تكوين21: 10).  فطُرِد إسماعيل وهاجر أمه وسكن في البرية. وكان إسماعيل إنساناً وحشياً، وهو في ذلك صورة للإنسان الطبيعي الجسدي، فإنه متوحش وشرس كالحمار الوحشي (أيوب11: 12).  وقيل عن نبوخذنصر الملك إنه أخذ قلب حيوان وكانت سكناه مع الحمير الوحشية (دانيآل5: 21).  وأخر شخص سوف يسيطر على العالم في زمن رفض المسيح هو الوحش (رؤيا13: 4-8). وبولس في كرازته في مدينة أفسس يقول كإنسان «حاربت وحوشاً في أفسس» (1كورنثوس15: 32).

إسماعيل «يده على كل واحد ويد كل واحد عليه» (تكوين16: 12)، أي يعيش في مشاكل مع الكل، متحدياً جميع إخوته.  بينما كان إسحاق إنساناً وديعاً يحب السلام ولا يقاوم الشر بالشر، وهذا ما نراه عندما حفر عبيده آبار ماء، فخاصم رعاة جرار رعاة إسحاق قائلين لنا الماء، فنقل من هذا المكان وذهب إلى مكان آخر لأنه يريد السلام (تكوين26)، وفي هذا يقول الرسول بولس «حسب طاقتكم سالموا جميع الناس» (رومية12: 18)، وأيضاً «اتبعوا السلام مع الجميع» (عبرانيين12: 14).

إن وجود إسماعيل مع إسحاق في خيمة واحدة إشارة إلى وجود طبيعتين متناقضتين في المؤمن، الطبيعة العتيقة التي بالولادة الجسدية من آبائنا وأمهاتنا الأرضيين، والطبيعة الجديدة التي بالولادة من الله «الجسد يشتهي ضد الروح، والروح ضد الجسد.  وهذان يقاوم أحدهما الآخر» (غلاطية5: 17).  ولا بد أن يُحسم الصراع بين الجسد والروح، ففي طرد إسماعيل إشارة إلى وضع الجسد في حكم الموت «الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات» (غلاطية5: 24).  ومن الناحية العملية تأتي الوصية «أميتوا أعضاءكم التي على الأرض» (كولوسي3: 5) أي أُميت دوافعي النابعة من الطبيعة الفاسدة. وبعد ولادة إسحاق كان يجب أن يُطرَد إسماعيل، لأنه لا يمكن أن يسع القلب مبدأين متناقضين:  مبدأ الناموس الذي يُعلِّم بضرورة إتمام فرائض، ومبدأ الإيمان الذي يقبل عمل الخلاص الذي أتمه الفادي؛ فوجودهما في قلب واحد أمر مستحيل كاستحالة وجود النور مع الظلمة.

بعدما طُرد إسماعيل سكن في برية فاران وكان رامي قوس أي يصيد الحيوانات ويقتلها (تكوين21: 20 ،21)، بينما كان إسحاق يزرع الأرض وفي هذا صورة للرب يسوع الإنسان الفالح الأرض (زكريا13: 5).  وأيضاً كان لإسحاق رعاة لرعاية الغنم، والراعي له قلب مُحب للخراف، يطعمها ويهتم بها، وفي هذا صورة للرب يسوع راعي الخراف العظيم الذي يهتم بنا ويرعانا.

لا نقرأ عن إسماعيل أنه بنى مذبحاً أو قدّم ذبائح لله أو صلى أو سجد للرب، بل نقرأ في مزمور83: 3-6 أن الإسماعيليين خططوا لإبادة شعب الله، والأردأ أنهم تآمروا على الله نفسه؛ لكن إسحاق بعدما ظهر له الرب في بئر سبع بني هناك مذبحاً ودعا باسم الرب (تكوين62: 52)؛ أي أنه كان يحب السجود لله والعلاقة معه.  ولقد دُعى الله  إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ولم يدعَ إله إسماعيل.

أول مرة نقرأ عن إسحاق بعد ولادته وفطامه في تكوين 22 حيث نسمع طلب الله من إبراهيم أن يصعده محرقة على أحد الجبال، وفي ذلك نرى صورة للغرض الرئيسي لمجيء المسيح لأرضنا وهو ذهابه للصليب وإظهار كمال طاعته للآب «لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة» (يوحنا12: 27).  وفي حمل إسحاق الحطب إشارة لربنا يسوع المسيح الذي حَمَل الصليب وهو في طريق الجلجثة، ثم وضع إسحاق على المذبح إشارة لموت المسيح من أجلنا على الصليب، وفي تقديم الكبش عوضاً عن إسحاق إشارة لمحبة المسيح من أجلنا إذ مات نيابة عنا، لأنه هو حمل الله الذي أتي ليرفع خطية العالم.

عاش إسحاق في خيمة لأنه كان غريباً (تكوين26: 25؛ عبرانيين11: 9)، بينما بنو إسماعيل كانت لهم ديارهم وحصونهم، وهذا ليس غريباً فإن الجسد يحب امتلاك أمور كثيرة في هذا العالم الفاني فهم «يفتكرون في الأرضيات» (فيلبي3: 19). ارتبط إسحاق برفقة وهي من نفس عائلته أي عائلة الإيمان، والوصية للمؤمنين «لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين» (2كورنثوس6: 14)،  وأيضاً ارتباط إسحاق برفقة صورة لارتباط المسيح  بالكنيسة.  أما إسماعيل فارتبط بزوجة مصرية إشارة إلى أن الشخص الجسدي يرتبط بالعالم، لأن مصر تشير للعالم الحاضر الشرير.  والكتاب يقول لنا «إن محبة العالم عداوة لله» (يعقوب4: 4).  فليحفظنا الرب من العالم فلا نحبه ولا نحب الأشياء التي في العالم، بل نعيش منتظرين مجيء عريسنا المبارك ليأخذنا لبيت الآب وهكذا نكون كل حين معه.