هو الملك آسا، أحد ملوك مملكة يهوذا. وقد ذُكر تاريخه في سفر الملوك الأول الأصحاح الخامس عشر، وسفر أخبار الأيام الثاني الأصحاحات 14 إلى16. و«آسا» يعني شفاء، وقد استخدمه الله فعلاً في شفاء شعبه من شرور كثيرة وفي ردَّ قلوبهم لعبادة الرب.
آسا والظروف التي أحاطت به
يبدو أنه اعتلى العرش وهو شاب في العشرين، وقد ورث عن أبيه وجده إرثاً ثقيلاً من الشر والفساد ملأَ المملكة كلها. فأبوه أبيام، وجده رحبعام، كانا ملكين شريرين، طبعا المملكة بأشر طابع. وجدته، وقد سُميت في الكتاب أمه، معكة ابنة أبشالوم هي التي عملت تمثالاً لسارية لتتعبد أمامه (1ملوك15: 10-13). كانت العبادة الوثنية قد عمَّت البلاد كلها «المذابح الغريبة والمرتفعات والتماثيل والسواري». وصحب هنا كل أنواع الفساد الأخلاقي إذ «كان أيضاً مأبونون في الأرض (الانحرافات الجنسية المذكورة في رومية1: 27). فعلوا حسب كل أرجاس الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني اسرائيل» (1ملوك14: 24). استلم آسا المملكة وهى في هذه الحالة المتردية، فماذا فعل وهو يواجه الظروف التي لم يكن له يد فيها؟
لقد تحوّل من صورة أبيه وجده الرديئة إلى صورة جده العظيم داود، وابتدأ يقتدي به واضعاً إياه كالمثال أمامه «وعمل آسا ما هو مستقيم في عيني الرب كداود أبيه» (1ملوك15: 11). وفي كل عصر يُوجِد الرب أشخاصاً أتقياء يضعهم قدوة أمام شعبه وخاصة الشباب منهم. لذا قال بولس للمؤمنين في فيلبي «كونوا متمثلين بي معاً أيها الإخوة، ولاحظوا الذين يسيرون هكذا كما نحن عندكم قدوة» (فيلبي3: 17). وأيضاً «وما تعلمتموه وتسلمتموه وسمعتموه ورأيتموه فيَّ فهذا افعلوا» (فيلبي4: 9).
تُرى أحبائي الشباب هل نتمثل بالأتقياء من المؤمنين أم بالأشرار في هذا العالم؟
«عمل آسا ما هو صالح ومستقيم في عينّي الرب إلهه». كانت علاقته مع الرب حقيقية وعميقة للقدر الذي به استطاع أن يقف ضد التيار الجارف في أسرته وفي شعبه، فيوصف بهذه الصفة المجيدة التي هى أفضل ما يمكن أن يوصف به الإنسان. جميل أن يحيا المؤمن حياة تتصف بالاستقامة في عيني العالم، وبذلك يكون متمماً للقول «لكي تكونوا بلا لوم، وبسطاء، أولاداً لله بلا عيب في وسط جيل معوّج وملتو، تُضيئون بينهم كأنوار في العالم» (فيلبي2: 51). وأجمل منه أن يبدو المؤمن مستقيماً في عيون المؤمنين فيكون ممدوحاً من جميعهم (2كورنثوس8: 18). لكن الأجمل أن يكون مستقيماً في عيني الله، الفاحص القلوب والمختبر الكُلى، الذي يعرف السرائر ويكشف الخبايا.
آسا وانجازاته
اعتلى آسا العرش في سن الشباب، وكان ممتلئاً بالحماس والغيرة، ويبدو أنه وضع نفسه بالتمام بين يدي الرب، فاستخدم طاقاته وإمكانياته بصورة صحيحة أدّت لنتائج عظيمة. كان مُحاطاً بكل أنواع الوثنية والفساد، لكنه احتفظ بنقاوته وقداسته. كان كالزهرة الناصعة البياض التي احتفظت ببياضها رغم الأوحال المُحيطة بها. كان التحدي الداخلي الذي قابله هو بيته. فقد واجه جدته الوثنية معكة ابنة أبشالوم، والتي شغلت مركز الملكة الأم، ويبدو أنها كانت امرأة ذات نفوذ قوي وتأثير ضخم، لكنه «خلعها من أن تكون ملكة لأنها عملت لسارية تمثالاً، وقطع آسا تمثالها ودقه وأحرقه في وادي قدرون» (2أخبار الأيام15: 16). لقد وقف إلى جانب الحق، وهو إذا كان يحب أمه ويكرمها، لكن ليس على حساب مجد الله. كما أنه لم يفعل ذلك في الخفاء بل على مرأى من الشعب كله. إنه نفذ ما قاله المسيح بعد مئات السنين «إن كان أحد يأتي إلىّ ولا يُبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته، حتى نفسه أيضاً، فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً» (لوقا14: 26).
ثم التحدي الخارجي لآسا كان شعبه، وفي هذا اتخذ عدة خطوات. فمن الناحية السلبية هدم المذابح الوثنية والتماثيل والسواري وأزال الممارسات الفاسدة المرتبطة بالعبادة الوثنية ومَنْ يمارسونها، ومن الناحية الإيجابية قاد شعبه لطلب الرب إله آبائهم والعمل حسب الشريعة والوصية. ثم بنى مُدناً حصينة قائلاً لشعبه «لنبنِهذه المدن ونحوطها بأسوار وأبراج وأبواب وعوارض مادامت الأرض أمامنا لأننا قد طلبنا الرب إلهنا. طلبناه فأراحنا من كل جهة» (2أخبار الأيام14: 7).
لقد أدرك أنه لا تكفي إزالة الشر، بل لابد من تحصين المملكة ضد الأعداء. ولنا في هذا درس هام، فالمؤمن لا يكتفي بإزالة كل شر في حياته، لكنه يقضي وقتاً أطول في بنيان حياته بالكلمة الإلهية وتحصين فكره وقلبه ضد هجمات لإبليس.
أحبائي الشباب .. كثيراً ما نركز على كيفية التخلص من شرور دخلت حياتنا، ونُهمل أن نملأ أذهاننا بالحق الإلهي والتعاليم النقية التي تحفظنا في حالة النُصرة. لذا لننتبه لهذا الأمر حتى لا نُطهِّر سلبياً فقط، لكن نبني إيجابياً أيضاً.
ثم واجه آسا بعد ذلك امتحاناً صعباً إذ زحف عليه زارح الكوشي (أحد ملوك أثيوبيا) بجيش قوامه مليون جندي. وقد كان من المتوقع أن آسا، مهما تكن قوته وإمكانيات جيشه، لن يقوى على مواجهة هذا الجيش المرهب. لكنه دخل المعركة غير المتكافئة بصلاته الرائعة «ودعا آسا الرب إلهه وقال: أيها الرب، ليس فرقاً عندك أن تساعد الكثيرين ومَنْ ليس لهم قوة. فساعدنا أيها الرب إلهنا لأننا عليك اتكلنا وباسمك قدمنا على هذا الجيش. أيها الرب أنت إلهنا. لا يقوَ عليك إنسان» (2أخبار الأيام14: 11). دخل آسا المعركة بسلاح الثقة في الإله العظيم فأعطاه نُصرة عظيمة أيضاً. لقد «ضرب الرب الكوشيين أمام آسا وأمام يهوذا فهرب الكوشيون». وبعد النُصرة أرسل إليه الرب نبياً بكلمة تحذير لازمة: «الرب معكم ما كنتم معه، وإن طلبتموه يوجد لكم، وإن تركتموه يترككم». ويبدو أن آسا والشعب كانوا عُرضة للتراخي والإهمال بعد النُصرة العظيمة. لكن الرسالة أتت بنتائجها، إذ قادت الشعب لعبادة الرب بكل قلوبهم ولطلبه بكل رضاهم، وكانت النتيجة أن الرب وُجد لهم وأراحهم من كل جهة.
آسا وضعفه
تعرّض آسا بعد ذلك لهجوم من بعشا ملك اسرائيل. والعجيب أنه بدلاً من اللجوء للرب، الذي أعانه في معركته السابقة، فإنه لجأ للتحالف مع بنهدد ملك آرام طالباً معونته. وإننا نتعجب كيف يحدث ذلك؟ ألم تحفر في ذاكرته نُصرته السابقة ضد الجيش المُخيف، فما الذي حدث؟ إننا نقف مذهولين أمام الملك الذي يترك الحليف الأقوى، الذي لا يقوى عليه إنسان، ليذهب للحليف الأضعف، الذي مهما كانت قوته فهو لا شيء بالنسبة لقوة الله.
لكن دعونا لا نقسو على آسا ونتحول إلى أنفسنا ونتذكر المعارك المختلفة في حياتنا. ربما نكون واجهنا أضخم الصعاب باللجوء للرب والتعلق به، وحققنا النُصرة بالإيمان، ثم بعد ذلك واجهتنا مشاكل أبسط وأصغر ولجأنا للإنسان دون أن نمارس الثقة في الرب!! لقد كانت رسالة الرب له على لسان حناني الرائي «لأن عيني الرب تجولان في كل الأرض ليتشدد مع الذين قلوبهم كاملة نحوه» (2أخبار الأيام16: 9). وفي أواخر حياة آسا مرض في رجليه حتى اشتد مرضه. ويبدو أن الرب أراد أن يتكلم معه حتى يرده للشركة معه وللقوة الروحية الأولى، لكنه تجاهل معاملات الرب ولم يطلب الرب في مرضه بل الأطباء.
أحبائي.. إن كتاب الله العظيم، الذي هو ليس ككتب البشر، لا يخفي أخطاء الأبطال بل يذكرها حتى نتعلم منها. والسؤال الآن: هل بدأنا حسناً مثلما فعل آسا؟ وهل نستمر حسناً كذلك؟ وتُرى كيف سننتهي، هل أقوى أم أضعف؟