عُوج ملك باشان كان عوج ملكاً على باشان، وكان هذا الرجل ضخماً جداً، عملاقاً من العمالقة. وكان سريره من حديد طوله 9 أذرع وعرضه 4 أذرع (الذراع =05-55سم). تخيَّل معي منظر سريره: طوله 5 أمتار وعرضه متران! بحق كان مُخيفاً جداً. وكانت مملكته قوية جداً وحدودها متسعة جداً (تثنية 3: 3-5؛ يشوع 21: 4). وكان عوج مشهوراً جداً في ذلك الوقت حتى ذُكر عنه أنه من الملوك العظماء (مز 135: 10 ،11؛ 136: 17-20).
والمنطقة التي كان فيها عوج هى باشان، وتقع في الطرف الشمالي من شرق الأردن. وهى أرض سهل خصبة ومُثمرة، وكانت بها مراعٍ خضراء كثيرة، وكان بها شجر البلوط الشهير (إشعياء 2: 13؛ حزقيال 27: 6). وكانت باشان مضرب المثل في الخصوبة (إشعياء 33: 9). وكانت الثيران في باشان قوية حتى أنه يُشار إليها بالوحشية (مزمور 22: 12). نلخص ما سبق: أن عوج كان ضخماً جداً، ومملكته قوية جداً، وتخومه متسعة جداً، واسمه مشهوراً جداً، وأرضه بها خير كثير جداً. ولكن ماذا تكون قوة عوج أمام الرب وقوته؟ بالتأكيد لا شيء.
لقد خرج عوج ملك باشان هو وجميع قومه للقاء شعب الله. فقال الرب لموسى «لا تخف منه، لأني قد دفعته إلى يدك وجميع قومه وأرضه» (تثنية 3: 2).
وما أروعها كلمة: «لا تخف»! لقد تكررت هذه الكلمة كثيراً في الكتاب المقدس، إنها كلمة مُشجِّعة لنا؛ أن نثق في الرب وفي قدرته العظيمة التي لحسابنا حتى لو كان أمامنا عوج بجبروته. لكننا نهتف مع المرنم قائلين «الرب عظيم وربنا فوق جميع الآلهة، كل ما شاء الرب صنع في السماوات وفي الأرض، في البحار وفي كل اللجج» (مزمور 135: 5 ،6)، «مَنْ أنت أيها الجبل العظيم؟ أمام زربابل تصير سهلاً» (زكريا 4: 7).
لقد دخل موسى وشعب الرب المعركة واثقاً في قدرة الرب طائعاً لكلمته، فكانت النتيجة أن الرب دفع عوج ملك باشان وجميع قومه إلى أيدي شعبه حتى لم يُبقِ له شارد، وامتلكوا أرضه. وتغنى موسى بعد ذلك قائلاً «أي إله في السماء وعلى الأرض يعمل كأعمالك وكجبروتك؟» (تثنية 3: 24).
وصارت النُصرة على عوج ملك باشان مثالاً للنُصرة على كل الأمم والملوك الذين في أرض كنعان، إذ يقول موسى للشعب في نهاية حياته «ويفعل الرب بهم كما فعل بسيحون وعوج ملكي الأموريين اللذين أهلكهما، وبأرضهما» (تثنية 31: 4).
وانتشرت أخبار الانتصار العظيم على عوج في كل مكان في الأرض، حتى أن راحاب قالت للجاسوسين «لأننا قد سمعنا... ما عملتموه بملكي الأموريين اللذين في عبر الأردن سيحون وعوج اللذين حرمتموهما» (يشوع 2: 10). وهكذا انتشرت أخبار الإنجيل في كل مكان في العالم، حيث الإعلان عن صليب ربنا يسوع المسيح وقيامة، وما ارتبط بذلك من هزيمة للشيطان ذلك العدو الرهيب وفي النُصرة على عوج إشارة لنُصرة المؤمن على أعدائه الثلاثة: الشيطان والعالم والجسد.
فعوج رمز للشيطان في قوته وشراسته، لكن الوعد لنا «قاوموا إبليس فيهرب منكم» (يعقوب 4: 7)، متذكرين نُصرة ربنا يسوع المسيح على إبليس سواء في حياته في التجربة (متى4)، أو في معركة الصليب حيث سحق رأس الحية وفضح الشيطان وقواته (كولوسي 2: 15).
ومملكة عوج المحصَّنة بأسوار شامخة وأبواب، رمز للعالم الذي له منظر حسن، لكنه في الحقيقة باطل وقبض الريح «لأن هيئة هذا العالم تزول» (1كورنثوس 7: 31). والقول لنا «لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم.. والعالم يمضي وشهوته» (1يوحنا 2: 15 ،17).
ومعنى اسم عوج "مدفأة"، ساكن في باشان معناها "نائم"، لذلك فعوج يريد الدفء والخصب والنوم، وفي هذا إشارة للجسد الذي فينا الذي يميل إلى الراحة والنوم، ولكن القول لنا «بالروح تُميتون أعمال الجسد» (رومية 8: 13).
لذلك فإن نُصرة المؤمن بالرب يسوع مؤكدة على كل الأعداء الروحيين، ومهما كانت الصعوبات أمامه، فإنه سينتصر عليها بالثقة الكاملة في الرب وفي كلمته. أخي .. أختي، هل أنت في ضيق أو شدة؟ أو أنت تحت ثقل أو صعوبات تعترضك؟ تشجع فإن الرب معك، وتذكر هذا الوعد «وادعني في يوم الضيق أنقذك فتمجدني» (مزمور 50: 15).
ثق في قدرة الرب التي لحسابك، لا تخف بل اتكل عليه. ثق أنه معك ولن يتركك لحظة واحدة، وردد دائماً القول «إن كان الله معنا فمن علينا» (رومية 8: 31). قال أيوب رجل الله «قد علمت أنك تستطيع كل شيء ولا يعسر عليك أمر» (أيوب 42: 2). ضع مخاوفك بين يديه وستجد التشجيع والنُصرة من عنده، عندئذ يعود المجد كله له.