مَن قَتَلَ الكناري؟


* الكَنَارِيّ: طائر حسن الصوت، يميل لونه إلى الصُفرة.  ينسب إلى جُزر كناري (أسبانيا).

حمل الأحفاد حقائبهم.  وعقدوا العزم على القيام برحلة إلى الريف حيث جدتهم التي تمتلك مزرعة هناك، المكان فسيح ومُريح والطبيعة في أزهى ألوانها وأزكى عطورها.

وصل الأولاد إلى المزرعة، فرحبت الجدة بهم، وراحت تذكِّرهم بنظام البيت ومواعيد النوم والطعام.  ولم تنسَ أن توصيهم بعدم أذى الطيور وخاصة كناري* الجدة العزيز.

انتشر الأولاد في كل الأرجاء يلعبون ويمرحون، حتى جاء المساء، فذهب كلٌ إلى غرفته.  وفي صباح أحد الأيام خرج أكبر الأحفاد ليصطاد، وبينما هو ينتقل من مكان إلى مكان، إذ به يقتل كناري الجدة الغالي، وظن أن أحداً لم يره.

أما الجدة فكانت، كعادتها، جالسة تحت شجرة التوت، وهى تستند على عصاها التي تقوست وكأنها تنحني إكراماً لشيبتها، تقرأ في كتبها العتيقة بنظارتها ذات العدسات السميكة، ومن خلفها تأتي موسيقى الطبيعة وهى تختلط بتغريد الطيور .. جاء ميعاد الغذاء، فتناول الجميع طعامهم، وراحت الجدة تتمشى نحو عصفورها وإذ به يرقد في بقعة من الدماء، انزعجت العجوز انزعاجاً شديداً، فنادت أحفادها جميعاً، فاصطفوا أمامها صفاً واحداً وبصوت حاد سألت أكبرهم، وهى ترفع عصاها ذات الطرف المقوس: "

أنت يا شارل الذي قتلت الكناري؟".

فأجاب شارل، وهو يكاد يبكي: "لا يا تيته مش أنا".

ثم أشارت للذي يليه: "إنت يا ولد قتلت الكناري؟".  فأجاب: "لا".

وهكذا حتى انتهت من سؤال الأحفاد جميعاً ثم صرفتهم.  

وفيما هم ذاهبون، اقتربت أصغر الأحفاد من شارل وهمست في أذنيه بالقول: "شارل".

"نعم أيتها الصغيرة نورا" هكذا أجاب شارل.

وبصوت خافت، يخفي وراءه شيئاً ما، قالت له: "إن واجبي اليوم هو غسيل الأطباق وأنا مُتعبة.  قُم بعملي".

أجاب شارل، وقد أحسّ بنفس الشيء: "وإن لم أغسل الأطباق يا نورا ماذا سيحدث؟".

قالت نورا بهدوء: "سأخبر تيته بأنك أنت الذي قتلت الكناري .. نعم .. لقد رأيتك وأنت تصوّب عليه البندقية أثناء لعبي بدراجتي".

فأجاب شارل، وهو يتصبب عرقاً: "سأغسل الأطباق.  لكن إياكِ أن تُخبري العجوز".

ذهب شارل وغسل الأطباق.  وفي اليوم التالي، عادت نورا واقتربت من شارل وهى تقول: "شارل إني أشعر بالصداع وجدتي كلفتني بنظافة الحمامات .. أرجوك نظفها أنت"

غضب شارل وقال: "نورا .. لقد قمت بعملك أمس، أما اليوم فلن أقوم به".

فقامت الصغيرة من مكانها، وهى ترفع صوتها نوعاً، وقالت: "إذاً سأُخبر تيته".  وخطت عدة خطوات نحو الحديقة .. فناداها شارل، وهو يصرّ على أسنانه ثم قال لها: "نورا! سأنظف الحمامات.  لكن إياكِ أن تكلفيني بعمل بعد اليوم".

ذهب شارل إلى دورات المياه.  وكان العرق يتساقط من وجهه وراح يفكر ويفكر .. لماذا لا أذهب إلى الجدة وأعترف لها بخطأي .. فترك الحمامات وذهب نحو جدته التي كانت تجلس على أريكه مُريحة، وكان شارل يتقدم خطوة ثم يتوقف .. لقد كان خائفاً، لكن ثقته في محبة جدته جعلته يذهب إليها، ومن بعيد رأته الجدة، وهي تسحب عينيها من فوق نظارتها، وبصوت مليء بالحنان نادته: "شارل حبيبي تعال".

وهنا تشجع وقال لها: "تيته أنا الذي...".

"أنت ماذا يا بني؟ .. قُلّ لا تخف" قالت الجدة. وبحروف متقطعة قال شارل: "أنا الذي قتلت الكناري يا تيته سامحيني".   فضمته إلى صدرها وقبَّلته وقالت له: "أعرِف يا شارل أعرِف يا ولدي". 

وباستغراب قال شارل: "تعرفين؟ مَنْ الذي أخبرك؟". "لا أحد .. أنا رأيتك".

فاندهش شارل ثم قال: "ولماذا لم تعاقبيني في وقتها وصمتِ كل هذا الوقت؟".

أجابت الجدة: "كنت في انتظار وشوق إلى هذه اللحظة التي تأتي وتعترف فيها بخطأك.  اذهب يا شارل اغسل وجهك، لقد سامحتك يا ولدي".

انطلق شارل فَرحاً كالفراشة بعد أن انزاح عن كاهله حمل ثقيل، فقابلته نورا وقالت له:"شارل أين أنت .. لقد بحثت عنك في كل مكان. قُم بإعداد صالة الطعام وإلا سأبلغ تيته".  

وبلغة الواثق قال لها: "اذهبي اخبريها، فأنا لن أخاف، ولن أُستعبد لكِ بعد اليوم".

صديقي وصديقتي .. لماذا تعيش حزيناً وخائفاً .. وإلهنا حنان؟  ولماذا لا تعترف بخطاياك وتفوز بالغفران؟ لقد اعترف داود بذنوبه وخطاياه في مزمور2 3، فتمتع ببركات كثيرة منها:

1- بركة غفران الآثام «قلت أعترف للرب بذنبي وأنت رفعت آثام خطيتي» (ع5).

2- بركة الصلاة لرب الآنام «لهذا يصلي لك كل تقي في وقت يجدك فيه» (ع6).

3- بركة الترنم والسلام «بترنم النجاة تكتنفني» (ع7).

4- الستر والحفظ «أنت سترٌ لي.  من الضيق تحفظني» (ع7).

5- التعليم والإرشاد «أعلمك .. أرشدك» (ع8).

6- الرحمة (ع10).

7- الفرح والبهجة (ع11).

وتذكَّر أن: 

«مَنْ يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقرّ بها ويتركها يُرحم» (أمثال 28: 13).