إن كنت أنا أباً فأين كرامتي؟
هذه مجموعة من الأسئلة الفاحصة التي وجهها الله لشخصيات متعددة عبر الزمان، ودوِّنت فى الكتاب المقدس. دعونا نفترض أنها موجهة لكل واحد منا، فماذا ستكون إجابتنا؟
إن كنت أنا أباً فأين كرامتي؟ وإن كنت سيداً فأين هيبتي؟
هذه كلمات عتاب وجَّهها الله إلى شعبه قديماً. وقد جاءت في آخر سفر في العهد القديم (ملاخي 1 :6). في هذا الوقت انحدرت حالة الشعب إلى مستوى خطير، فقد اهتموا فقط بالمظاهر الخارجية لعلاقتهم بالرب، أما في الداخل فلم يكن للّه مكانه الصحيح في حياتهم، ونسوا، أو تناسوا أن الله لا يقبل العبادة الخارجية، ما لم تكن خارجة من قلب يخافه ويتقيه. لذلك يوجِّه لهم هذه الكلمات الخطيرة التي تستحق منا وقفة خاصة متأملة.
أولاً: هل الله أبوك؟
ملايين من البشر ينادون الله في صلواتهم قائلين «يا أبانا الذي في السماوات» لكن هل حقيقة أن الله أب لهم؟! كيف يمكن أن يتمتع الإنسان ببنوته للّه وعندها يستطيع أن يقول «يا أبا الآب»؟
1 - التوبة القلبية: إن التوبة ليست فقط الاعتراف بالذنب والخطية، بل هي تحول وتغيير لاتجاه الحياة، بالفكر والقلب، إلى الله؛ كما فعل الابن الراجع إلى أبيه الذي لم يكتفِ بالقول، بل نقرأ في لوقا 15 : 20 «فقام وجاء إلى أبيه».
2 - الإيمان القلبي بكفارة المسيح: أي الثقة الكاملة في أن موت المسيح على الصليب هو الأساس الكامل لقبولنا عند الله وحصولنا على الغفران والتبرير الكامل «متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدّمه الله كفارة بالإيمان بدمه» (رومية 3: 24،25 ).
عندما تتم الخطوتين السابقتين، إذ يكون الإنسان قد قَبِل المسيح قبولاً حقيقياً في قلبه، يكون قد وُلد من الله ولادة ثانية جديدة ويتم فيه القول «وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه الذين ولدوا ... من الله» (يوحنا 1 :13). وعندما يولد الإنسان ولادة جديدة من الله، يسكن فيه الروح القدس، وعندئذ يتمتع ببركات البنوة الحقيقية لله، ويستطيع أن يقول من كل قلبه «يا أبا الآب» (غلاطية 4: 6).
ثانيا: هل الله سيدك؟
بالطبع إن الله هو سيد الكل، فهو الخالق العظيم والديان العادل، لكن هل هو سيد شخصي لك؟ كيف يكون ذلك؟
1 - تسليم الحياة بالكامل له: فمن اللحظة التي نقبل فيها المسيح فادياً ومخلصاً، علينا أن نسلمه حياتنا بالكامل قائلين مع الرسول بولس «مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ» (غلاطية 2: 20).
2 - معرفة وصاياه وتنفيذها عملياً: لا نستطيع أن نعيش في طاعة كاملة للّه سيدنا، إن لم نعرف وصاياه أولاً ثم ننفذها بعد ذلك. لقد قال بولس الرسول في أول مقابلة له مع الرب يسوع «يارب ماذا تريد أن أفعل؟» (أعمال الرسل 9: 6).
ثالثاً: هل تُعطي الإكرام الحقيقي لله أبيك، والمهابة الصحيحة لله سيدك؟
قد تقول: نعم، ومَنْ يستطيع أن يفعل غير ذلك؟ لقد قال الشعب نفس الكلام سابقاً للّه، لكن حياتهم شهدت عن وضع مخالف لذلك تماماً. دعونا نستعرض مظاهر عدم الإكرام والاحترام للّه الآب والسيد:
1 - مظهر التقوى الخارجية دون القلب: لقد وصف الرب حالة شعبه قديماً في إشعياء 29: 13 «هذا الشعب قد اقترب إلىَّ بفمه وأكرمني بشفتيه، وأما قلبه فأبعده عني وصارت مخافتهم وصية الناس معلمة».
2 - تقديم عبادة معيبة: إن الله يريد أن الذي يأتي إليه ويعبده، يأتي بالأسلوب والطريقة التي رتبها هو، ويرفض بشدة ما نفعله بحسب استحساناتنا نحن أو نفعله كواجب علينا ويسميه هنا في ملاخي 1: 7 ،8 «خبزاً نجساً».
3 - الاستهانة والاستخفاف بالشر: إن الله لا يطيق الإثم والشر. فهو الإله القدوس، ولا يمكن أن يقبل مقاييسنا البشرية للحكم على الشر، لذلك يقول لهم «لقد أتعبتم الرب بكلامكم ... بقولكم كل من يفعل الشر فهو صالح في عيني الرب وهو يُسرّ بهم. أو أين إله العدل؟» (ملاخي 2 :17).
4 - الاستهانة بحقوق الله في الحياة: لقد قال الرسول بولس في أعمال الرسل 17: 28 «به نحيا ونتحرك ونوجد». فالله له حقوق في حياتنا، في الوقت والمال. ولقد طلب من شعبه قديماً أن يقدموا العشور والتقدمات، لكنهم تهاونوا في ذلك فاعتبره الله سلباً لحقوقه، وقال لهم «أيسلب الإنسان الله؟ فإنكم سلبتموني» (ملاخي 3: 8).
* * * * *
والآن ماذا عنك أنت؟
هل تمتعت بأبوّة الله الحقيقية؟
وهل الله سيد حقيقي على حياتك؟
هل تعطي الله الإكرام الحقيقي اللائق به كأب، والمهابة الصحيحة التي يستحقها كسيد؟