خرج من خيمته في الصباح الباكر .. يتنقل بين الخيام الكثيرة .. يقبض بيده على حبل يقود به خروفاً صغيراً، قاصداً الخيمة التي في الوسط. وعلى وجهه تبدو ملامح الحزن، شارد الفكر، لا يتكلم مع أحد، ويبدو أن هناك أمراً جاداً يقصده .. فتعال صديقي نقترب منه. نسأله ونرافقه لنعرف الحكاية.
يُجيب صاحبنا: "إني أعرف كراهية الله للخطية، ولهذا قال: «النفس التي تُخطئ هى تموت» (حزقيال 18: 4) وأنا أخطأت وأخاف من الموت والدينونة".. وبعد نظرة خاطفة للوراء عاد يقول في سعادة: "لكن شكراً لله .. لقد أوجد لي البديل" .. وأسرع الخُطى واقترب لباب الخيمة وأزاح ستارة الباب ودخل مُسرعاً .. ووقف أمام أحد الكهنة الذي بدأ يفحص الخروف جيداً ليتأكد من سلامته وأنه خالٍ من أي عيب (لاويين 22: 17). ثم أشار عليه بالوقوف إلى شمال المذبح.
إنه مذبح النحاس (خروج27) أول قطعة يمر بها الداخل للخيمة، وهو عبارة عن صندوق من خشب السنط، مُغشى بالنحاس من الداخل والخارج، تتوسطه شبكة من النحاس توضع عليها النار والذبائح. قاعدته مربع طول ضلعه حوالي 2.5م، وارتفاعه حوالي 1.5م، وله أربعة قرون على زواياه الأربع، وعلى جانبيه أربع حلقات نحاسية، بها عصوان يُحمل بهما المذبح. صديقي .. نعود لصاحبنا لنرى ما يحدث معه .. وقف أمام الكاهن واضعاً يده على رأس الخروف وأقرّ بما أخطأ به. ثم ذبح الخروف وسالت دماه ووُضع على المذبح ليحترق بالنار المشتعلة. خطوات للوراء خطاها صاحبنا وهو يتأمل في الخروف البريء الذي انتقلت إليه خطاياه، والنار تلتهمه، والدخان يصعد للسماء، وعاد لخيمته سعيداً. لقد غُفرت خطاياه.
قد تسألني وما لنا وقصة الإسرائيلي التي حدثت من آلاف السنين؟ أُجيبك .. إنها قصتي وقصتك بل وقصة كل البشرية. لقد «اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع» (رومية5: 21). ومذبح النحاس هذا ما هو إلا صورة لصليب ربنا يسوع المسيح، وإن لم تتقابل معه كمن مات لأجلك وتحتمي في دمه، لا قبول لك أمام الله.
تأمل معي في الآتي. لقد كان المذبح:
1 - مربع الشكل: فالصليب يذيع الخلاص لأربع أطراف الأرض، وموت المسيح للجميع (2كورنثوس 5: 15).
2 - من خشب السنط: من الأخشاب التي لا تفسد. صورة ورمز لجسد المسيح غير القابل للفساد، وغير الخاضع للموت، لكنه وضع نفسه وذاق الموت بإرادته.
3 - النحاس: يتميز بقوة احتماله للنيران، ودرجة انصهاره حوالي 1085 درجة مئوية لأن نيران المذبح لا تُطفأ نهاراً وليلاً (لاويين 6: 13)، وفيها نرى قوة نيران الدينونة التي احتملها المسيح نيابة عنا.
4 - قرون المذبح: رمز للقوة والنُصرة (مزمور 75: 10؛ لوقا 1: 69) كان يوضع عليها دم الذبائح وكانت ملجأ لكل مَنْ يحتمي بها من الموت (1ملوك1: 50)، رمز لقوة دم المسيح لمن يحتمي به من الغضب (رومية 5: 9).
صديقي .. ملايين من الذبائح قُدمت ولم تُخمد نار المذبح، ولم تنزع الخطية (عبرانيين 10: 11) ولم تُظهر طريق الأقداس (عبرانيين 9: 8) .. قد تسألني: أ لم يأمر بها الله، أوَلم يقبلها عند تقديمها؟ أجيبك: نعم. لأنها ترمز للذبيح العظيم، للحَمَل الذي بلا عيب والذي أشار إليه المعمدان «هوذا حَمَل الله الذي يرفع خطية العالم» (يوحنا 1: 29). وما نيران المذبح إلا صورة لنيران غضب الله التي احتملها بديلنا على الصليب، بل وأنهى عليها تماماً.
صديقي: ألا تريد أن تأتي فتنال القبول منه، وتخلص من الخطية وعقوبتها؟ قف أمام الصليب، سترى حَمَل الله يحترق لتعبر عنك الدينونة، ويصرخ «قد أُكمل» ليستريح ضميرك وتدخل إلى المقادس في علاقة جديدة مع الله. افعل ذلك الآن، وإلا ستقف أمامه كالديان وستسمع صوته «اطرحوه إلى الظلمة الخارجية. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان».