رأينا فيما سبق بعض الدروس الروحية الإيجابية من الطفولة الطبيعية. أما الآن فسنلقي الضوء على سلبيات الطفولة وما يناظرها في المجال الروحي. فإن هذه المرحلة تتضمن بعض العيوب التي تحتاج إلى علاج وتهذيب وتقويم. ومع النمو ستسقط هذه الصغائر وتختفي من الحياة.
ويمكن احتمال بعض العيوب والنقائص باعتبار أنها مرتبطة بمرحلة الطفولة، أما إذا استمرت لفترة أطول فهى حالة مرضية وليست طبيعية. وإنه أمر مُحزن أن نرى أشخاصاً لهم سنوات في الإيمان لكنهم لا يزالون أطفالاً. فهم كما هم في الإدراك والفهم والكلام.
والكتاب يحدّثنا عن هذه الطفولة غير الطبيعية لمؤمنين لسبب طول الزمان كان ينبغي أن يكونوا أكثر نضوجاً وروحانية، لكنهم ظلّوا أطفالاً برغبتهم. من هؤلاء كان المؤمنون في كورنثوس والمؤمنون من العبرانيين. لهؤلاء يقول الرسول «إذ قد صرتم متباطئ المسامع (الفهم). لأنكم إذ كان ينبغي أن تكونوا معلِّمين لسبب طول الزمان تحتاجون أن يعلمكم أحد ما هى أركان بداءة أقوال الله. وصرتم محتاجين إلى اللبن لا إلى طعام قوي. لأن كل مَنْ يتناول اللبن هو عديم الخبرة في كلام البر (إنجيل نعمة الله) لأنه طفل، وأما الطعام القوي فللبالغين» (عبرانيين 5: 11-14). ولأولئك الذين في كورنثوس يقول «لم أستطع أن أكلمكم كروحيين بل كجسديين، كأطفال في المسيح. سقيتكم لبناً لا طعاماً لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون، بل الآن أيضاً لا تستطيعون، لأنكم بعد جسديون» (كورنثوس الأولى 3: 1-3).
إن رغبة قلب الرب أن ننمو مع الأيام ونتغير ونصل إلى النضوج الكامل. وليس حسناً إطلاقاً أن نظل طويلاً في مرحلة الطفولة بسلبياتها.
وهذه السلبيات تتضمن:
(1) عدم القدرة على استيعاب الطعام القوي. السطحية وعدم الدخول إلى العمق في التعليم وضحالة الشركة مع الله. القناعة بأقل شيء من الأمور الروحية مع أكبر قدر من التسليات الجسدية. الملل السريع من الاجتماعات وفرص الصلاة. عدم الرغبة في بذل مجهود ذهني لفهم الأمور العميقة في كلمة الله، وعدم التقدير لكل أجزاء الكتاب واعتبار أن الكثير منها لا يعنينا. التحوّل إلى النواحي الاجتماعية والإنسانية أكثر من الاهتمام بماذا يقول الكتاب وبالكلمة التي تفحص القلب والضمير. عدم الرغبة في فهم مشيئة الله وخطته لحياتنا والخضوع لها. هذا كله يعبر عن حالة طفولة روحية. وهو شيء مُحزن إذا استمر.
(2) الغيرة والحسد والخصومات والتحزبات. وكلها صغائر تُعبِّر عن حالة الطفولة لأشخاص تظهر فيهم صفات الطبيعة القديمة بشكل بارز لأنهم لا يسلكون بحسب الروح القدس الساكن فيهم. وهكذا كان المؤمنون في كنيسة كورنثوس.
هل تنظر إلى الآخرين وما عندهم من امتيازات أكثر منك بنظرة حقد؟ وهل توجد مرارة في نفسك لأن غيرك يملك ما لا تملكه أنت؟ هذه هى الغيرة الجسدية. هل تتمنى زوال ما عندهم من امتيازات؟ هذا هو الحسد. هل تقاطع الآخرين ولا تستطيع أن تكلمهم بسلام أو تتعامل معهم بمحبة إذا اختلفت معهم ولم يوافقوك على أفكارك ومقترحاتك؟ هذا هو الخصام. هل تنتمي لأشخاص تتبنى أفكارهم وتتعصب لآرائهم وتدافع عنهم؟ وهل تستقطب آخرين معك لصالح هؤلاء الأشخاص؟ هذا هو التحزب. وفي كنيسة كورنثوس كان هناك مَنْ يقول «أنا لبولس» ومَنْ يقول «أنا لأبولس». والرسول وبَّخهم على ذلك. إذ أن الانتماء والولاء ينبغي أن يكون للمسيح فقط وليس لأفراد مهما كانوا.
(3) الافتخار بالامتيازات الجسدية والعُجب بالنفس. لهذا يقول الرسول بولس «أي شيء لك لم تأخذه؟ وإن كنت قد أخذت فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ؟» (1كورنثوس 4: 7). قد يكون لشخص بعض الامتيازات أو المواهب الطبيعية مثل الجمال والأناقة، أو الجاذبية والرشاقة، أو المرح واللباقة، أو الذكاء والتفوق والمهارة، أو الغنى والكرامة، أو الوضع العائلي والبيت الذي يتسم بالفخامة. أو أي قدرات ومهارات خاصة يتميز بها. وهذا كله ربما يجعله يزهو بنفسه ويتعالى على الآخرين، ويرى نفسه أفضل منهم. وفي الإنسان ميلاً للكبرياء كلما سنحت الفرصة، وهذه أيضاً حالة جسدية تعبِّر عن طفولة روحية وعدم نضوج. وكلما نضج الشخص، كلما صار أكثر اتضاعاً وحسب الآخرين أفضل من نفسه، وكلما شعر أن الفضل للرب ولنعمته فقط، وأنه في ذاته لا يستحق شيئاً. فتجده لا يتكلم عن نفسه وعن امتيازاته أو أي شيء يخصه.
(4) الجهالة: وهى سمة تميِّز الطفل. والأسوأ أن تراه حكيماً في عيني نفسه، ويعتبر نفسه عالماً بالأمور ويرفض أن يتعلم. وقد يكون الشخص متفوقاً في دراسته وناجحاً زمنياً، لكنه بطيء الفهم والتعلم في الأمور الروحية. وقد يتكرر الدرس أمامه مراراً لكنه كما هو لا يستطيع أن يميّز صوت الرب ولا أن يفهم قصده من المعاملات. يسمع كثيراً لكنه سرعان ما ينسى فلا يستفيد لحياته شيئاً ولا يتغير. وقد شبَّه الرب يسوع الشخص الذي يسمع ولا يعمل برجل جاهل. إن الذكاء الطبيعي شيء والذكاء الروحي شيء آخر. فلتكن صلاتك مع سليمان «أعطِ عبدك قلباً فهيماً» (الملوك الأول 3: 9). وتذكَّر أن كلمة الله تصيِّر الجاهل حكيماً.
(5) الكذب: أحد مظاهر الطفولة أن يلجأ الشخص للكذب لكي يبرر نفسه، أو لكي يحمي نفسه، أو لكي يصل إلى أهدافه. وقد يفعل ذلك بدافع الخجل من الحقيقة. فالصدق قد يكلف صاحبه بعض الشيء. لكن ذلك أهون بكثير من كلفة الكذب التي قد تسبب متاعب لصاحبه مدى الحياة. وكلما نضج الشخص اختفت من حياته هذه الصفة وصار يميز الصدق والحق. (يتبع)