في بيت بسيط في مظهره لكن لا تنقصه سبل الراحة ولا ما يبعث على السرور بتنسيقه الرقيق وسط مشاهد ريف أمريكا الجنوبية التي كان يطل عليها؛ هناك عاش پيتر مع أمه الأرملة التي لم تدّخر جهداً إلا وبذلته لتوفر له عيشاً كريماً من يوم مات أبوه. على أنه لم يكن براضٍ عن حاله؛ فكثيراً ما خرجت منه عبارات التذمر والرفض لحاله، وكم كرر لأمه أنه يود العيش في العاصمة بدلاً من الريف، لتكون له الحرية ليفعل ما حلا له دون ضابط أو رقيب. كانت أمه دائماً تحاول إقناعه بمخاطر تلك العيشة التي يرجوها، فلم يكن يقبل نصحها.
وفي يوم، وكان قد بلغ من العمر الثامنة عشر، ذهبت الأم بمجرد استيقاظها للاطمئنان على ابنها في فراشه كعادتها، فما وجدته. اعترتها الدهشة، فلم يكن معتاداً على الاستيقاظ مبكراً. سألت عنه أصدقاءه فما كن من مجيب، بحثت عنه في كل مكان في القرية فما وجدته، انتظرته إلى الليل فلم يعد. تيقنت الأم أن ابنها قد نفذ ما عزم عليه وذهب إلى العاصمة، بعد أن كان قد استولى على الكثير من الأشياء الثمينة في المنزل.
في اليوم التالي باعت الكثير مما بقي لها. وفي طريقها إلى العاصمة، بحثاً عن ابنها، مالت إلى مصوِّر وطلبت منه التقاط صورة لها استخرجت منها عدداً كبيراً من النسخ. وفي العاصمة فتشت عن ابنها في كل مكان توقعت أن يذهب إليه، ولأنها كانت تعلم عزمه بحثت عنه حتى في الحانات والأماكن المشبوهة. وكانت في كل مكان تصل إليه تلصق صورة من صورها وقد خطّت خلفها بضعة كلمات. ولما نفد ما معها من مال وصور، اضطرت للعودة.
وفي يوم كان پيتر يهبط سلم فندق وضيع كان يعيش فيه، محني الرأس وقد أضاع كل ما أخذه، وأعياه الكد والتعب محاولاً أن يجد قوته، إذ به يلمح صورة وجه كان مألوفاً لديه. مد يده بلهفة إلى الصورة وانتزعها. قلبها في يده، فقرأ هذه العبارة: "ولدي! أينما أوصلك هربك مني، عُد كيفما كنت، إني أنتظرك،،، أمك". وقد عاد.
صديقي، إن كنت ما تزال في بعدك عن إلهك، ألا تسمع نفس النداء موجَّهاً إليك منه: " عُد! عُد كما أنت "؟