الوالدة الفاضلة .. إن حضورك لي في السجن لا يُقدَّر بكلمات .. وزيارتك تركت في نفسي أعظم الأثر، لقد أعطتني ثقة وثبات... صدقيني، إن كل حزني وزعلي هو إزاي تركت حياتي وأنا في العالم بعيداً عن الله، كيف تجاهلت آلام الفادي من أجل أشياء فانية غبية ومُضرّة... لا أكذب عندما أقول: لقد شكرت خطأي وسجني لأن من خلاله تعرفت عن قُرب بالرب يسوع المسيح العجيب في كل شيء: في تسامحه وغفرانه، وفي محبته ونعمته.
هذه مقتطفات من رسالة كتبها سجين، وبخط يده يوم 6 / 8 / 2000 ، وقد أُعدم بعدها بعدة أيام.
وكتب أيضاً في أسلوب شعري يقول:
أنا مسيحي وفخور دا مسيحي رب غفور
ستر جريمتي ومحاها وبجروحه يا ناس داواها
بدأت القصة عندما طُلب مني في إحدى القري أن أقدِّم كلمة عزاء لأم ذات قلب كسير، أُعدم ابنها الشاب وهو في العشرين من عمره، بعد أن ارتكب جريمة قتل. كانت الزيارة تُمثِّل عبئاً نفسياً ثقيلاً، لأنه من السهل على الخادم أن يقدِّم كلمة عزاء طالما الذي مات رقد على رجاء. لكن في حالتنا هذه فالوضع مختلف، فالجريمة يعلمها الجميع وهو نال عقوبتها.. ورغم ذلك يجب أن الخادم يقدِّم كلمة الله، وأن يكون عطوفاً رقيقاً، يعصب ولا يجرح، يجبر ولا يكسر.
طلبنا الإرشاد من الرب، وبالاتكال عليه ذهبنا، دخلنا البيت، وصافحنا أهله، ثم جلسنا في غرفة واسعة، جلستْ بعض النسوة على الأرض والبعض على أكياس الحبوب. اصطبغ المكان بصبغة سوداء، بدت في ملابس النساء جميعهن، مرت الثواني ثقيلة وصلّيت في قلبي مع المرنم قائلاً:
يا رب سُدّ أنت على شعوري وعواطفي
ولتنظرن عيني إليك في أحرج المواقفِ
ثم فتح الرب باباً للكلام حيث قرأنا من إشعياء 53 «وفي جيله مَنْ كان يظُن أنه قُطع من أرض الأحياء؟». فالمسيح، ابن الله، ورئيس الحياة، مات في نصف أيامه، فقد كان عمره يزيد قليلاً على الثلاثة والثلاثين عاماً، لكن لماذا مات المسيح؟ يقول الكتاب إنه «ضُرب من أجل ذنب شعبي». ولماذا جُرح المسيح؟ يُجيب الكتاب أنه «مجروح من أجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا».
وهكذا فاض الرب علينا بكلام تعزية. وقبل أن نختم فرصتنا بالصلاة وننصرف، إذ بالأم تقوم وتُحضِر لنا ورقة، وقالت: لقد أرسلها ابني قبل موته بأيام، قرأنا الرسالة وتعزينا كثيراً، وانسابت الدموع من المآقي. فالرسالة بخطِّه، كتبها لإحدى الأخوات العاملات بالخدمة في السجون، وكان قد تعرّف على الرب معرفة قلبية من خلال زياراتها له .. انشرحت صدورنا، والتقطنا أنفاسنا. فالمجرم القاتل نال غفراناً وتبريراً، وبالإيمان صار له سلام، بل وكتب في رسالته يقول: "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جداً. إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع". بل وراح يغرّد من إنشائه فكتب يقول:
أنا كل يوم بالليل مستني وكل لحظة فيه متمني
إن سجاني يفتح علي ويعلِمني بالخبر دوّه َّ
هو فاكر إنه هيعدمني وعلى الحبل هيقدمني
مش عارف إن يسوع سامحني وبمحبته الحلوة منحني
أعيش معاه في الأبدية واتمتع بحضرته البهية
لقد تغيَّر المجرم، وتغيّر مصيره الأبدي. يقول بولس الرسول والذي كان قبلاً مجدِّفاً ومُضطهِداً ومفترياً «لأننا كنا نحن أيضاً قبلاً أغبياء، غير طائعين، ضالين، مستعبَدين لشهوات ولذَّات مختلفة، عائشين في الخبث والحسد، ممقُوتين، مُبغِضين بعضنا بعضاً، ولكن حين ظهر لُطف مخلِّصنا الله وإحسانه - لا بأعمال في برٍّ عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته - خلّصنا» (تي3:3-5). ولا تنسَ يا صديقي مفعول دم المسيح، إنه يطهرنا من كل خطية. بل واسمع ندائه " هلم نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيّض كالثلج، وإن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف "(إشعياء 1 :18).
صديقي .. الفرصة الآن بين يديك، لكن احذر أن تضيع منك وإلى الأبد.