عُزيا الملك الذى أسقطه نجاحه
عُـــزّيـا
الملك الذي أسقطه نجاحه
هو ابن الملك أمصيا ابن الملك يوآش.
وقد خلف أباه على عرش يهوذا وهو في السادسة عشرة من عمره، وملك اثنتين وخمسين سنة في أورشليم. وعُزّيا اسم عبري معناه "الرب عزي (أي قوتي)". وسُمّي أيضاً عزريا أي "الرب قد أعان" (2ملوك 15؛ 2أخبار26). وقد ازدهرت مملكة يهوذا بصورة واضحة أيام عزيا. وعلى الرغم من أنه بدأ حُكمه في سن صغيرة (16سنة) إلا أنه نجح نجاحاً عظيماً وحقق إنجازات كثيرة (2أخبار26 :11-15). وينقسم تاريخ عُزيا إلى قسمين متباينين: النجاح ثم السقوط، ولنا في كل قسم دروس هامة.
عزيا ونجاحه
«وعمل (عزيا) المستقيم في عيني الرب حسب كل ما عمل أمصيا أبوه. وكان يطلب الله في أيام زكريا الفاهم بمناظر الله، وفي أيام طلبه الرب أنجحه الله». لقد بدأ بداءة حسنة، وكان كمعنى اسمه يستمد عونه وقوته من الرب. ساعده على ذلك مرشده ومعلمه زكريا النبي الذي كانت له الإمكانية الخاصة لتفسير الرؤى الإلهية. ولأنه فاهم لمشيئة الله، فقد ترك في عزيا أعظم الأثر، وواضح أنه كان يعين الملك على الدوام على الإحساس بوجود الرب وقوته وسلطانه. ألا نرى الأهمية القصوى للمرشدين والقادة الروحيين؟ ثم ألا نرى خطورة مَنْ نصادقهم ونعاشرهم، والأثر العميق الذي يمكن أن تتركه الصداقة الحكيمة المقدسة؟ إن الشاب الذي يرتبط بقائد روحي صاحب مفاهيم روحية، لا بد أن ينمو نمواً روحياً صحيحاً ويختبر فهماً حقيقياً لأمور الله. قال أحدهم: إذا كانت كلمة الله والضمير المسيحي يقفان خلف حياتنا المسيحية على الدوام، ويرشداننا إلى ما ينبغي عمله، إلا أنه توجد أمور وأوضاع قد تواجهنا يومياً وفيها نحتاج إلى مَنْ هم أكثر نضوجاً واختباراً في الحياة المسيحية. «وكان يطلب الله ... وفي أيام طلبه الرب أنجحه الله».
ما هو طلب الرب؟ إنه اللجوء الدائم إليه في كل الأوقات، والاعتماد الكُلّي عليه في كل تفاصيل الحياة. كأنَّ عزيا كان يُردِّد مع جده داود قوله في مزمور72 «لك قال قلبي: قلت اطلبوا وجهي، وجهك يا رب أطلب». وكأنه تمسك بالوعد «وتطلبونني فتجدونني، إذ تطلبونني بكل قلبكم، فأوجد لكم، يقول الرب» (إرميا 29: 13 ،14).
لقد كان قلبه موجهاً بالتمام نحو الرب، وتم فيه القول «طوبى لحافظي شهاداته، من كل قلوبهم يطلبونه. أيضاً لا يرتكبون إثماً. في طرقه يسلكون» (مز119 :2 ،3).
أنجحه الله! إنها كلمة رائعة، ليس فقط نجاح، لكن نجاح مصدره الله.
والنجاح يحلم به كل شاب، وهو النتيجة الطبيعية للتعلّق بالرب. تعلّق يوسف بالرب، رغم قسوة ظروفه، فأنجحه الرب. واستند دانيال على الرب، رغم شرور بابل المُحيطة به، فأنجحه الرب. أخي الشاب.. استمع إلى نصيحة داود في مزمور73 «لا تغِر من الأشرار، ولا تحسد عُمَّال الإثم... وتلذّذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك. سَلِّم للرب طريقك، واتكل عليه، وهو يُجري... انتظر الرب واصبر له، ولا تَغِر من الذي ينجح في طريقه، من الرجل المُجري مكايد». إن الطريق المضمون للنجاح هو السير مع الله.
عزيا وسقوطه
«وامتد اسمه إلى بعيد إذ عجبت مساعدته حتى تشدد (آزره الله وأعانه وقوّاه بصورة مُدهشة). ولما تشدد ارتفع قلبه إلى الهلاك، وخان الرب إلهه، ودخل هيكل الرب ليوقد على مذبح البخور».
لم تستمر الصورة الرائعة السابقة لعزيا حتى النهاية. لماذا؟ لقد داخله الغرور والكبرياء بسبب النجاح غير العادي. عجيب هو قلبنا البشري في تقلّبه السريع! وخطير هو النجاح الفائق للمؤمن ما لم يصاحبه الالتصاق بالرب. أ لم يبدأ حياته شاعراً بضعفه مُستنداً على الرب؟ أ لم يختبر يد الرب وهي تساعده وتشدده؟
هل تعلم أخي الشاب أن الكبرياء هي الداء الدفين المتأصِّل في قلوبنا، وأننا في حاجة مستمرة لليقظة والسهر ضدها؟
لقد بدأ سليمان حسناً إذ أعلن قدام الرب ضعفه وقلّة إمكانياته وحاجته للحكمة الإلهية، فأعطاه الرب أكثر مما طلب. لكن للأسف بعد النجاح العظيم تحوّل قلبه عن الرب. أما داود، فرغم كل انتصاراته، حافظ على روح الاتضاع والشعور بالحاجة للرب، وكتب كلماته الرائعة: «يا رب لم يرتفع قلبي، ولم تستَعْلِ عيناي، ولم أسلك في العظائم، ولا في عجائب فوقي» (مزمور131: 1).
لقد رفعت الكبرياء عزيا لمحاولة اغتصاب عمل الكهنة، فدخل هيكل الرب ليُصعد البخور على مذبح البخور. وكان هذا الأمر قاصراً على كهنة الرب فقط إذ كانوا مخصَّصين لهذا العمل. لقد كان ملكاً ناجحاً جداً، لكنه بكبرياء قلب واعتداد بالذات لم يكتفِ بهذا، بل أراد أن يكون كاهناً أيضاً، وهذا ما لم يسمح به الله قط. لذا ضربه الرب بالبرص في جبهته وطُرد من الهيكل بلا أدنى كرامة! إنها قصة مؤلمة لكنها تحمل لنا الدرس الخطير: «قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح» (أمثال 16: 18).
لذا دعونا نستمع إلى نصيحة الروح القدس «تسربلوا بالتواضع لأن الله يقاوم المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة» (1بطرس 5: 5).