جسم الإنسان الدم
الدم هو السائل الحيوي في الجسم، وهو مرادف للحياة، فبدونه لا يمكن للكائن الحي أن يستمر حياً. وهو يحمل للجسم الطعام والطاقة والأكسجين، وبعض الكيماويات المنظمة له، كما يساعد على تخلص الجسم من الفضلات ومن ثاني أكسيد الكربون، ويحميه من الجراثيم والعدوى، كما يساعد على حفظ الإنسان دافئاً.
وتصل كمية الدم الموجود في جسم الشخص البالغ حوالي خمسة لترات، أو حوالي 8% من وزن الجسم، و 80% منها عبارة عن ماء.
ويتكون الدم من سائل يسمى البلازما وهو سائل شفاف، ويحتوي هذا السائل على الصفائح الدموية وعلى كرات الدم الحمراء وكرات الدم البيضاء، والبلازما تتكون من 90 % ماء، والباقي منها مواد مختلفة ومتنوعة ضرورية جداً للإنسان! والبلازما تمثل أكثر من نصف مكونات دم الإنسان. وفائدة البلازما الموجود في الدم أنها تعمل على نقل الفضلات إلى حيث يتم التخلص منها.
أما الكرات الحمراء فعددها كبير جداً، إذ يصل عددها في الملليمتر الواحد 5 ملايين. وهذا معناه أن في جسم الإنسان حوالي 30 تريليون (مليون مليون) كرة دم حمراء. وإذا قل عدد كرات الدم الحمراء عن 3 ملايين و500 ألف في الملليمتر المكعب أصيب الإنسان بفقر الدم.
وتحتوي كرات الدم الحمراء على مادة الهيموجلوبين، وهي التي تكسب الدم لونه الأحمر نظراً لوجود مادة الحديد فيها. وكل كرة من كرات الدم الحمراء تحتوي على 270 مليون جزيء هيموجلوبين، كل واحدة منها تحتوي على 4 جزيئات أكسجين. ومادة الهيموجلوبين هي المسئولة عن نقل الأكسجين من كرات الدم الحمراء إلى خلايا الجسم.
ويجب ألا تقل نسبة الهيموجلوبين في الدم عن 70 %. وإذا قلت عن ذلك يكون الإنسان معرضا للإصابة بالأنيميا.
أما كريات الدم البيضاء فإن دورها في جسم الإنسان هو دور دفاعي. يمكن أن يقال إنها بمثابة الجيش المدافع عن الجسم، وهي تقاوم الجراثيم وتقتلها، كما أنها تقوم بإنتاج مواد كيماوية تسمى الأجسام المضادة، تقوم بالقضاء على البكتريا التي تهاجم الجسم. وبالمناسبة فهذه الكرات البيضاء لا هي مستديرة ولا هي بيضاء، ولكنها عديمة اللون كالماء. ويبلغ عددها حوالي خمسة آلاف إلى عشرة آلاف في كل ملليمتر مكعب من الدم! أما الصفائح الدموية الموجودة في الدم فهي التي تتجمع وتعمل جلطة دموية لوقف أي نزيف يصاب به الإنسان.
ولكي يمكن أن يصل الدم إلى كل أجزاء جسم الإنسان فهناك بالإضافة إلى الشرايين والأوردة، العديد من الشعيرات الدموية في الجسم، وهي كثيرة ومتشعبة، حتى أن طولها يزيد عن 100 ألف كيلومتر. ورحلة الدم في الجسم هي رحلة دائبة متصلة، وأن يتوقف الدم عن الدوران، أو ينزف خارج الجسم فهذا معناه نهاية الحياة.
وأما عن الرحلة ذاتها فإن الدم يمر من القلب إلى الرئتين ليحصل على الأكسجين، وليتخلص من ثاني أكسيد الكربون. ثم إلى القلب مرة أخرى. ثم من خلال الشرايين إلى الأمعاء ليحمل من هناك الغذاء، ثم يمر على الكبد حيث تتم هناك عملية تسليم وتسلم. فيسلم الدم للكبد الطعام في صورة ويستلمه منه بعد تغليفه بصورة يستفيد منها الجسم. ثم يصل الدم عن طريق الأوعية الدموية الأصغر إلى كل خلايا الجسم. وفي طريق العودة يمر الدم على الكلى ليتم تصفية الدم من الشوائب. ومنها عن طريق الأوردة الدموية إلى القلب مرة أخرى. وكل هذه الرحلة الطويلة في الجسم تستغرق أقل من دقيقة واحدة!
دم الرجل ودم المرأة: دم المرأة يحتوي على نسبة أكبر من الماء عن الرجل (دمها خفيف! فنسبة كثافة الدم إلى كثافة الماء هي ستة أضعاف)، إلا أن دم المرأة يحتوي على نسبة أقل من الكريات الدم الحمراء. ولذلك فإنها أسرع إلى الإغماء من الرجل، لأنها تحرق أكسجين بسرعة أكثر.
والنظام الذي ينقل الدم في جسم الإنسان يسمى الجهاز الدوري. وهو يشبه الترع والمصارف في أنظمة الري. والدم في الشرايين (الترع) يكون أحمر ناصعاً بسبب احتوائه على الأكسجين، وأما في الأوردة (المصارف) فإن لونه يكون أحمر غامقاً نظراً لاحتوائه على ثاني أكسيد الكربون بدلا من الأكسجين.
الدم في الكتاب المقدس
إن كان الدم له أهمية عظمى في جسم الإنسان، فإنه أيضاً له مكان هام جداً في الكتاب المقدس. فهو يعتبر في الكتاب المقدس مرادفاً للحياة (تكوين 9: 4)، ويُذكر كثيراً في العهد القديم. وعندما يُذكر في العهد القديم فإن هذا يرتبط عادة بالظلم والقتل، مثل ما نجد في قصة هابيل وقصة يوسف (تكوين 4: 10؛ 9: 6؛ 42: 22؛ أم 1: 16). وأول ذكر للدم في الكتاب المقدس كان دم هابيل الذي صرخ إلى الله طالباً النقمة من أخيه (تكوين 4: 9). وأما آخر ذكر للدم في الكتاب المقدس فهو دم أعداء المسيح الذين سيُلطِّخ به المسيح ثيابه عندما يظهر للعالم لينتقم من أشرار الأرض (رؤيا 19: 13؛2 تسالونيكي 1: 8).
وكان قضاء رهيب من الله أن لا تغطي الأرض دم إنسان، وبالتالي أن تلحس الكلاب دمه، وهو ما حدث مع أخاب الذي قال له إيليا النبي إن الكلاب ستلحس دمك في نفس البقعة التي فيها لحست دم نابوت اليزرعيلي الذي قتله الملك أخاب غدراً وزوراً. فنال الحصاد لفعلته من نوع زرعه نفسه (1ملوك21 ،22)، وهو أمر خطير مقرَّر في الكتاب المقدس: أن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضا (غلاطية 6: 7) ومع ذلك فليس كل ذكر للدم في الكتاب مرتبط بالقضاء. فدماء الذبائح في العهد القديم كانت تعطي النجاة والخلاص والطُهر لمن يقدمها (خروج 12: 13؛ لاويين 14: 6 ،14).
وهذا الدم الذي سال مدراراً في العهد القديم في الذبائح الدموية، إنما هو إشارة ورمز إلى دم المسيح. ويحدثنا العهد الجديد عن بركات كثيرة حصل المؤمن عليها نتيجة سفك دم المسيح على الصليب. ولما مات المسيح على الصليب، وطعن واحد من العسكر جنب يسوع، للوقت خرج دم وماء. فنتيجة موت المسيح، وتوقف الدورة الدموية، فقد تجمع الدم وانفصل عن البلازما. ولأن كثافة الدم - كما ذكرنا - أثقل من البلازما تجمع الدم في الجزء السفلي يعلوه الماء. ولما جاءت طعنة الجندي من أسفل، نزل أولاً الدم وبعده الماء، مؤكداً حدوث الموت، ومقدماً للإنسان العلاج الذي كان في حاجة إليه: أعني التكفير والتطهير.