هل سمعت عن سيتي؟ سيتي هي عادة هندية دينية رهيبة، وهي عادة إحراق زوجة الهندي وهي حية مع جثة زوجها حتى يصيرا معاً رماداً. وعندما رأى وليم كاري هذه العادة لأول مرة في حياته في عام 1792 صُدم، واقشعر بدنه، وأخذ يصرخ بصوتٍ عالٍ، زاد على صوت صراخ المرأة التي يحرقونها، وقرّر أن يستمر طوال حياته يصلي ويجاهد حتى يُبطل هذه العادة المُرعبة، فهل استطاع؟
ولكي نعرف مَنْ هو وليم كاري هذا، وماذا فعل مع عادة سيتي، لنبدأ الحكاية من البداية. وُلد وليم كاري في انجلترا عام 1761 في أسرة فقيرة، فلم ينَل من التعليم إلا القليل. ومنذ طفولته عمل في محل اسكافي صغير ليتعلم صناعة الأحذية اليدوية. وعندما بلغ الرابعة عشرة من العمر، حدّثه صديقه "جان دار" عن الرب يسوع المسيح المخلِّص العجيب، فأخذ قراره أن يعطي كل حياته للمسيح الذي مات بدلاً عنه على الصليب.
ومن يومها صار وليم كاري مؤمناً مسيحياً حقيقياً، ومن ذلك الوقت اتجهت كل أشواقه في الحياة نحو النفوس البعيدة، ولا سيما في الشعوب التي لا تعرف شيئاً عن الرب يسوع. فدرس الجغرافيا، ووضع أمامه في محل الاسكافي خريطة للعالم، وكان يصلي دائماً لأجل هذه الشعوب، وتمنى أن يذهب إليهم، ولكن كيف وهو اسكافي فقير لم ينل من العلم إلا القليل جداً، ولا يعرف شيئاً من لغات وعادات تلك الشعوب؟ اتهمه أصدقاؤه بأنه مجنون عندما حدثهم عن أشواقه، لكنه استمر يصلي، حتى كان عام 1792 عندما وضع الرب في قلب خُدّام الكنيسة الرغبة أن يرسلوه إلى حيث يريده الرب، وكان وليم وقتها قد بلغ الحادية والثلاثون من عمره.
سافر وليم كاري إلى الهند في سفينة شراعية صغيرة متجهة إلى هناك، وقضى في السفر خمسة أشهر تعلّم خلالها اللغة البنغالية. لما وصل كاري للهند أُصيب مع زوجته وأطفاله بأمراض كثيرة، حتى أنه فقد ابنه پيتر البالغ من العمر خمس سنوات، لكنه استمر يخدم الرب هناك وهو يعمل في مصنع للصباغة ويحدِّث النفوس عن المخلِّص.
ولقد رأى عادة سيتي بعد وصوله للهند، وكانت صرخات الزوجات وهن يحترقن أعلى من ألسنة اللهب، والجماهير يضربوهن بقضبان الحديد حتى يصرن رماداً، ويهتفون هتافات دينية عالية حتى يغطّون على أصوات صرخات وعذابات الزوجات اللائي يتلوين في النيران. حاول وليم كاري أن يتدخل، لكنه فشل؛ فهذه عادات تأصلت منذ قرون، ولكنه وثق في نور الإنجيل، الذي وحده يقوى على إزالة ظلام هذه العادات. وفي عام 1799 سافر كاري إلى ولاية "سيرامبور" حيث كان أتم ترجمة الكتاب المقدس كله للغة البنغالية، وبمساعدة نجار بنغالي هندوكي، كان كاري قد ربحه للمسيح اسمه "كرشنا شندرابال"، طبع أول نسخة للكتاب المقدس باللغة البنغالية.
وفي عام 1081 دعت الكلية الحكومية في كلكتا بالهند، وليم كاري ليدرس اللغة البنغالية، وصار أستاذاً (بروفيسير) يدِّرس في الجامعة لمدة 30 عاماً، تقابل فيها مع مفكرين وأمراء وعلماء الهند، وكان يحدّثهم عن المسيح والإنجيل ويهاجم عادة سيتي الرديئة. وفي عام 1812 استلم وليم كاري أجمل خطاب في حياته، يُخبره فيه حاكم الهند العام بأنه قرر إلغاء عادة سيتي الرديئة، اقتناعاً منه بماقاله وليم كاري. فأخذ كاري يقفز من الفرح وهو يرى كيف أن نور الإنجيل انتصر، وبقوة، على ظلام الديانات الهندية. وكان كاري، الاسكافي الفقير، وقتها قد أسّس 11 كنيسة في الهند وعمّد 350 هندياً صاروا نواة للكرازة في كل ولايات الهند الأخرى. ولقد ألقى خطاب في قاعة العرش الهندية في دار الحكومة باللغة السنسكريتيه، فذُهل الحاكم العام من بلاغته، وكان أول أوربي، على وجه الإطلاق، يلقي خطاباً بهذه اللغة.
وانطلق بعدها ليكون مع المسيح في يوم 9/6/1834 حيث نكست الحكومة الهندية أعلامها حداداً عليه. وكان لم يعُد لبلاده ولا مرة واحدة منذ أن جاء من انجلترا للهند. وقيل عنه إنه أعظم رجل عرفته الهند، لكنه كان قد قال لآخِر مَنْ زاره قبل وفاته: "لا تتحدثوا عن وليم كاري، بل عن مخلِّص وربّ وليم كاري يسوع المسيح"، قالها بابتسامة الرضا وسافر إلى السماء.
صديقي .. صديقتي، إن وليم كاري استطاع بواسطة نور الإنجيل أن يُبطل ويلغي عادة سيتى الرهيبة، أما ربّ وليم كاري، الرب يسوع، فقد أبطل الموت ذاته «مخلِّصنا يسوع المسيح الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل» (2تيموثاوس 1: 10)، لا بأن يسافر إلى الهند، بل عندما أتى إلى أرضنا ومات لأجلنا على الصليب كنائب وبديل، قد احتمل كل نيران العدل الإلهي الذي كنا نستحقها، لهذا صرخ على الصليب «صار قلبي كالشمع، قد ذاب في وسط أمعائي» (مزمور22: 41).
كانت ذبائح العهد القديم تُحرق على المذبح (لاويين1-6)، والرب يسوع احترق لأجلنا على الصليب، لا لينجينا من عادة سيتي، بل من نيران أبدية أقسى بما لا يُقاس في بحيرة النار والكبريت (رؤيا 14: 10؛ 20: 10). فهل تأتي الآن، وأنت تقرأ هذه المجلة، إليه، فيخلِّصك من نيران أقسى من سيتي وتصير خادماً له، ليستخدم صباك وشبابك، بل وكل حياتك وإمكانياتك، حتى وإن كانت صغيرة، ليعمل بك أعمالاً عظيمة لمجد الله.
فتعالَ وصلِّ معي: يا مَنْ بذلت نفسك ذبيحة وضحية في أعظم قصة فداء حقيقية، أشكرك لأنك أظهرت لي المحبة الإلهية .. استلم حياتي وانقذني من النيران الأبدية، واستخدمني لمجدك طوال أيامي الباقية.... آمين،