«كطفل كنت أتكلم وكطفل كنت أفتكر»
نواصل حديثنا عن سلبيات الطفولة الروحية ونقدم مجموعة أخرى من ملامح هذه المرحلة:
(1) الأنانية: الطفل يحب نفسه، ولا يفكر إلا في نفسه. يريد كل شيء لنفسه. لا يقنع ولا يكتفي بما عنده، بل يشتهي ما عند الآخرين. ومهما امتلك من أشياء، فإنه سرعان ما يتعود عليها ويملّ منها ويعتبرها أموراً طبيعية وقد فقدت قيمتها، مع أنها لغيره تُعتبر حلماً كبيراً. إنه يحب أن يميِّز نفسه ومغبوط عنده الأخذ وليس العطاء. لا يعرف أن يضحي ويتعب لأجل الآخرين، بل بالعكس يعتبر أن من حقه أن يتعب الآخرون لأجله.
مفهوم المحبة عنده هو الأخذ والتدليل. لا يفكر في ظروف الآخرين واحتياجاتهم، بل ينحصر في ذاته وفي ما يستفيد من هذا أو ذاك. لا يتعامل مع شخص إلا لأجل مصلحته. إنها صفة رديئة للغاية، وهي عكس روح المسيح التي تميزت بالمحبة والعطاء والتعب لأجل الآخرين.
(2) المشغولية بالذات ومحاولة جذب الأنظار والاهتمام بمديح الآخرين. وهذه سمة من سمات الطفولة، أن ترى شخصاً يتكلم عن نفسه كثيراً، وعن مهاراته وإنجازاته وخدماته واختباراته. إنه كثير الحركة والنشاط الجسدي لجذب الأنظار. مثلما فعلت مرثا أخت لعازر ومريم، التي كانت مُرتبكة في خدمة كثيرة وقالت للرب «يا رب أما تبالي بأن أختي قد تركتني أخدم وحدي؟ فقُلّ لها أن تعينني» (لوقا 10: 40). إنها تخدم ليس محبةً في الرب، بقدر ما أنها تريد أن تحظى بمديح الناس وإعجابهم. وعندما يتحقق ذلك تشعر بالرضا والسعادة وتستمر في الخدمة، وإذا لم يحدث تكون متوترة وغاضبة ومكتئبة. إنها حالة طفولة روحية.
وليس في الخدمة فقط، بل قد يحدث أن الفتاة تعتني بمظهرها بشكل مُلفت، وتتزين بطرق مختلفة لكي تبدو متألقة وجذابة، لكي تحظى بإعجاب الآخرين وتسمع كلمات المديح منهم، الأمر الذي يشبع غرورها. إن رأي الآخرين ولا سيما الشباب في نفس المرحلة العمرية، يمثل أهم شيء بالنسبة لها. وإذا لم تحظَ بالتعليق الذي يشبع ذاتها، ستشعر بالاكتئاب والضجر. وهذه التصرفات وردود الأفعال تُعتبر طبيعية في مرحلة الطفولة ومرحلة المراهقة، لكن كلما عبر الشخص هذه المرحلة وأصبح أكثر نضوجاً، كلما تحرر من هذا التأثر برأي الآخرين، وأدرك أن الأهم هو رأي الرب ورضاه وإعجابه به. إنه يصبح أكثر بساطة في مظهره وتصرفاته، ويَكُفّ بالتدريج عن الكلام عن نفسه، ويصبح أكثر اقتناعاً بما هو فيه.
ولا يتأثر كثيراً بتقييم الآخرين وأمزجتهم المختلفة، عالِماً أنه لا يستطيع أن يُرضي جميع الناس. وإذا فعل ذلك فهو ليس عبداً للمسيح.
(3) تقليد الآخرين في حركاتهم ومظهرهم وأسلوبهم.
فالطفل ليس له الشخصية المحددة واللون المحدد في المواقف المختلفة، بل إنه يتشكل طبقاً للوسط المُحيط به، ويغيّر أفكاره واقتناعاته حسب الشخصيات التي يتأثر بها. وإذا أُعجب بشخص معيَّن حاول أن يقلِّده في كل شيء، وأن يتوحد معه ويتقمص شخصيته وطريقة كلامه وحركاته ومظهره وتعبيراته. وهذا قد يتغير إذا دخل شخص آخر في حياته أحبه أكثر وتأثر به... وهكذا .. وهذا أيضاً قد يُقبَل كشيء طبيعي في مرحلة الطفولة والشباب المبكر. ومع النمو والنضوج لا بد وأن يصبح للشخص كيانه المستقل المحدّد والواضح كما أراده الرب أن يكون.
والخطورة في هذه المرحلة أن الشخص قد يُضحي بمبادئ كثيرة تعلّمها سابقاً، لكي يُرضي صديقاً أو مجموعة من الأصدقاء غير المؤمنين والعالميين. وقد يتأثر بأفكارهم وعاداتهم ومظهرهم وسلوكياتم وأحاديثهم ويحاول أن يقلدهم. فالطفل لا يدرك معنى الانفصال المقدس عن العالم الحاضر الشرير الذي يحكمه الشيطان.
(4) التهور والاندفاع.
الطفل يفعل ما يخطر بباله دون تفكير أو دراسة واعية متأنية. إنه يتخذ قرارات سريعة دون حساب للنتائج والتبعات. وفي سبيل تحقيق ذاته وإثبات شخصيته قد يرفض كل نُصح وتوجيه، ويفعل إرادته بكل عناد. وقد يتخبط في قراراته لأنه مختل الاتزان. إنه لا يدرك خطورة وكُلفة العصيان. وفي شخصية يونان نرى صورة لهذا التهور والاندفاع دون حساب للنتائج. لقد ظن أنه يمكن أن يهرب من وجه الرب، وقرر أن يذهب إلى ترشيش بدلاً من أن يطيع أمر الرب ويذهب إلى نينوي! ولم يحسب النفقة، فكانت أجرة العصيان أضعاف أجرة السفينة، فكان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال. وكلما نضج الشخص أصبح أكثر تحفُظاً وتأنياً، يخاف من الاندفاع، ويخاف من الخطأ، ويخاف من أن يتخذ قراراً ليس بحسب فكر الله ومشيئته.
والخطورة في هذه المرحلة أن الذي يرفض نُصح الآخرين، لا يعرف أن يرفض رغبات الجسد، ولا يعرف أن يضبط نفسه وأن يقول لشهواته «لا». إن الطفل يحب أن يدلِّل نفسه وأن يُرضي ذاته ورغباته. ويجب أن يتعلم كل طفل في المسيح درس الفطام فيقول لنفسه «لا»، فلا يطيع كل رغبة من الجسد ولا يتجاوب مع كل فكرة تطرأ على باله لينفذها.
(5) الطفل محمول بكل ريح تعليم. نتيجة عدم الثبات وعدم التأصل عميقاً في الحق، قد يتأثر الشخص بكل التيارات والأفكار التي يسمعها. وقد يتحول سريعأً عن الحق وينحرف إلى الخرافات والضلالات، ذلك لأنه لم يتأسس على التعليم الكتابي الصحيح ولم يعرف لماذا هذه الأمور هكذا، وأين هذا في كلمة الله؟ والأمر يحتاج أن نفحص كل شيء في ضوء «ماذا يقول الكتاب؟ ولا نسير وراء أفكار الناس مهما كانوا «اثبت على ما تعلمت وأيقنت، عارفاً ممّن تعلمت» (2تيموثاوس 3: 14).