فلنعد إلى التجربة الفيزيائية التي ذكرتها لك المرة السابقة.
(هكذا بدأ الشيخ حديثة مع صديقه الشاب، وهما يستكملان معاً حوارهما حول التأثير والتأثر بالآخرين).
هل تتذكرها؟
نعم، لقد وضعنا جسمين معدنيين: أحدهما عند درجة حرارة منخفضة، والاخر عند درجة حرارة مرتفعة، ملتصقين معاً، ولاحظنا تغير درجة حرارة كل منهما.
حسناً، دعني أطوِّر التجربة قليلاً هذه المرة. ولنقل إننا سنجريها ثلاث مرات: في المرة الأولى سنترك الجسمين متلاصقين لمدة ثوانٍ معدودة، والمرة الثانية سنتركهما متلاصقين لمدة دقائق قليلة، وفي المرة الثالثة سنتركهما لعدة ساعات. في رأيك هل سيكون هناك فرق في التأثير على الجسمين في المرات الثلاث؟
بكل تأكيد، فالتأثير سيتزايد بتزايد مدة التلاصق بين الجسمين.
استنتاجك سليم. وهكذا الآخرين في تأثيرهم عليَّ.
لست أفهم ما تقصد.
دعني أوضِّح لك. نستطيع أن نقسم الآخرين من حيث تعاملي معهم إلى ثلاثة أنواع: النوع الأول هم أناس ألتقي بهم عَرَضَاً، ولا يستمر لقائي بهم إلا القليل، وقد ألقاهم مرة أخرى أو لا ألقاهم.
أعطني مثلاً من فضلك.
مثلاً، أولئك الذين يركبون معي وسيلة مواصلات، أو الذين أصادفهم إذا دخلت إلى مكان عام.
والنوع الثاني؟
أولئك الذين تربطني بهم علاقة لم أخترها بنفسي، بل حكمت بها الظروف، وتستمر هذه العلاقة لمدة من الزمن. أمثال زملائي في الدراسة أو جيراني في السكن. وتأثير هؤلاء أقوى من النوع الأول.
والنوع الثالث؟
هم أكثر الأنواع أهمية، لكونهم الأعمق تأثيراً والأطول زمناً في العلاقة؛ إنهم الأصدقاء الذين أختارهم بإرادتي، وأعاشرهم عمراً طويلاً، وأشاركهم بما في داخلي.
دعنا نبدأ من الأول، أولئك الذين أتقابل معهم عرضاً، ولفترة قصيرة، هل لهم تأثير عليَّ؟
تماماً كما كان للجسمين تأثير حتي لملاصقتهما بعضهما لثوانٍ.
وضِّح لي عملياً.
إنك بكل تأكيد تتأثر بكلماتهم وتصرفاتهم، وإن لم يكن لك رغبة في هذا التأثر. فإذا سمعت أحدهم يتلفظ بالسباب، أو يتفوه بألفاظ نابية، أو يَروي قصة مثيرة، أو يتغنى بأغنية بصوت عالٍ؛ لا شك أن مثل هذه الأمور ستترك في ذهنك أثراً. كما أن عينيك ستنظران تصرفات قد تصدر منهم، ويكون لها أيضاً أثر على ذهنك.
وما دخلي أنا بهذا؟
لا تنفعل هكذا، إني لا أوجِّه لك لوم، لكني ألفت نظرك إلى تأثير ذلك. إنه تماماً كتأثير السير في البرية أيام رحلة شعب الله فيها، لم يكن من المستغرب أن تتسخ أرجلهم، ولذلك فقد صمم الرب للكهنة «المرحضة» لغسل أرجلهم منها قبل ممارسة عملهم. وهذا يذكرنا بما فعله الرب نفسه يوم غسل أرجل تلاميذه (يوحنا13).
وهل من الضروري أن أهتم بتأثير هؤلاء؟
نصيحتي ألا تهمل تأثير هذا الفريق، فتراكم هذا التأثير مع الزمن مُؤذٍ للغاية.
وكيف يكون علاج هذا التأثير عملياً.
اِلجَأ دائماً إلى كلمة الله، ودعها تقوم بعملها في غسل ذهنك من كل ما علق به. دع أفكار هذه الكلمة تتغلغل في ذهنك، واحكم على ما سمعت ورأيت في ضوئها، فترفض ما تجده خاطئاً رفضاً قطعياً. هذا من الناحية العلاجية، على أن هناك أيضاً ناحية وقائية.
ما هي؟
حاول أن تنشغل بشيء مفيد في الفترات التي تكون فيها بالقرب من هذا النوع، كفترات المواصلات. ليكن بحوزتك دائماً كتاب روحي أو مجلة روحية، واقرأ فيها كلما سمحت لك الظروف.
وإذا لم تسمح.
اشغل فكرك بالتأمل في بعض أعداد من الكتاب المقدس قرأتها في الصباح، أو بتذكر خدمة روحية سمعتها مؤخّراً، أو في أي أمر من الأمور المسِّرة والمشجِّعة المذكورة في فيلبي4:8.
والفريقان الآخران.
مهلاً يا صديقي، تفكر في هذا الأمر أولاً، وقرِّر ماذا سيكون تصرفك إزائه، ولحديثنا بقية.