تأملوا زنابق الحقول كيف تنمو
تحدثنا في المرة السابقة عن أهمية التربة في النمو، وكيف أنها تمثِّل قلوب الناسش التي تسمع الكلمة (متى13). ونواصل حديثنا عن نوعيات التربة، وفيها نرى عوائق النمو.
1- الذي سقط على الطريق
(متى31: 91). إنها ممرات وسط الحقول لم تُحرَث ولم تُقلَّب. والبذار تظل على السطح ولا تدخل في التربة، فتأتي طيور السماء وتلتقطها.
وقد أوضح الرب يسوع أن هذا النوع هو الذي يسمع الكلمة ولا يفهم. إنه يسمع باستخفاف ولا يكترث بها، وليس لديه الرغبة أن يستوعب ما يُقال. إن عنده جهالة وعدم شعور بالحاجة إلى هذه الكلمة، وبالتالي فليس للكلمة مكان في قلبه. إنه لا يتعامل معها كرسالة من الله له لكي يستفيد منها. ولا يُبدي أي تأثير أو تعبير لِما سمعه، مهما كانت الرسالة قوية وتحطم الصخر. هو بجسده في الاجتماع، أما ذهنه فشارد بعيداً.
وعند الباب ينتهي كل شيء. فسرعان ما يأتي الشيطان ويخطف ما قد زُرع. وهل نتوقع لشخص مثل هذا أي قدر من النمو؟ كلا إطلاقاً. وما لم تُفلَح الأرض وتُقلَّب - أي أن نُعِدّ قلوبنا لقبول الكلمة، ثم نغطي البذار بعد ذلك بأن نتأمل فيما سمعناه ونصلي لكي نستفيد منه، ونتنبَّه أكثر إلى ما سمعنا لئلا نفوته، فسنكون كالأرض الممثلة بالطريق، ولن ننمو روحياً.
2- الذي سقط على الأماكن المحجرة،
فنبت حالاً إذ لم يكن له عمق أرض. ولكنه لما أشرقت الشمس احترق (متى31: 5 ،6). وهذا النوع يمثل أولئك الذين يسمعون ويُظهرون بعض الإعجاب لما سمعوه. إنهم لا يرفضون الكلمة بل يرغبون في سماعها. ويُظهرون تجاوباً سريعاً أكثر من الذي سقط على الأرض المحجرة. إنه الحماس الجسدي والتأثر العاطفي السطحي. دون أن يفكروا فيما تتطلبه الكلمة من إدانة لحالتهم وتوبة عميقة صادقة عن الخطية.
إنهم مثل الذي يبلع الطعام دون أن يمضغه. ولهذا فإن الطعام لا يُهضَم جيداً. إنهم يقبلون الكلمة بفرح ويُظهِرون سروراً وإعجاباً سواء بمن قدم الكلمة أو بما قدمه من مادة. إنهم يذوقون فقط كلمة الله الصالحة (عبرانيين6 : 5). ويقولون إنهم وجدوا حلاوة فيها. طالما لا تسبب إزعاجاً للضمير. فهناك أيضاً شهوات محببة لها مذاق حلو عندهم، لا يرغبون في إدانتها. إنهم يسيرون بهذا الحماس إلى حين.
لقد كانوا يسعون حسناً لكن شيئاً صدّهم فتعثروا (غلاطية5: 7). عندما اصطدموا بالحقيقة أنه لا يمكن التوفيق بين إرادة الله المعلنة في الكلمة وبين رغبات الجسد. هؤلاء ليس لهم أصل أو جذور عميقة. والكلمة لم تتأصل في قلوبهم لتنشئ فيهم توبة حقيقية، وقرارات جديدة في الحياة. هؤلاء هم الذين في وقت التجربة يرتدون، ويتحولون إلى لا شيء. وعندما يأتي الضيق الاضطهاد بسبب الكلمة، حالاً يتعثرون. «لما أشرقت الشمس احترق» (متى31: 6). وما يأتي بسهولة سيمضي أيضاً بسهولة. إن أول علامة تدل على عمل الله في النفس أن الكلمة تخترق الضمير فيشعر الإنسان بحالته كمذنب وبحاجته إلى الغفران. وإذ يكتشف تعاسته فإنه يحزن وهذا الحزن ينشئ فيه توبة. هذه هي أول ثمار الإيمان الصحيح.
الأحجار أعاقت نمو النبات إذ منعت نمو جذوره إلى أسفل لتتأصل في التربة. وهكذا الحال مع كثيرين ممن يسمعون الكلمة بطريقة سطحية وسط جو من الحماس. وبالتالي لا يوجد نمو حقيقي دائم وثابت لهؤلاء الأشخاص.
3- الذي سقط على الشوك.
فطلع الشوك وخنقه (متى13: 7). هذا معنى أبعد من الذي قبله. فهذا النوع له جذور. لكن الأشواك المحيطة تتداخل مع النبات وتخنقه.
والأشواك التي تعيق نمو النبات هنا، تمثل الاهتمامات العالمية التي تخنق الكلمة فتصير بلا ثمر. هذا الشخص لديه الرغبة أن ينمو ويثمر ويستفيد من كلمة الله. لكن مشكلته الحقيقية هي اهتمامات هذا العالم. فالهموم والضغوط وأعباء الحياة من ناحية، قد تثقله وتعطله عن النمو الروحي. كذلك فإن غرور الغنى: أي محبة المال، والاهتمام بتحصيله، والتطلع إلى المراكز العالية، وبذل كل الجهد والوقت في سبيل ذلك، يعطل النمو الروحي. ومن المعطلات أيضاً شهوات الأشياء التي يذخر بها العالم، والتي لها جاذبية وبريق للطبيعة البشرية خاصة للشباب، وكثيراً ما يضعف الشخص أمامها ويُغلب منها.
كل هذا سيعيق نمو واستفادة الشخص من كلمة الله، وسيحطم كل حماس ورغبة مقدسة وكل اهتمام بالأمور الروحية. ورغم النوايا الحسنة التي عنده إلا أنه، في الحياة العملية، يجد نفسه محاطاً بأشواك وأشراك هذا العالم. ويجد أنه ليس من السهل التخلص منها. فهذه نقطة الضعف عنده. إنه في دوامة لا تنتهي. وكل هذا على حساب الروحيات. وقد تجد شخصاً كهذا نجح في دوائر العالم وكبر لكنه معوق في النمو الروحي رغم السنين.
(يتبع)