انتشر مرض خطير فى إحدى المدن، فمات الأب متأثراً به، تألمت طفلته كثيراً لفراقه. ومما زاد آلامها، أن أمها أصيبت بنفس المرض، واشتد عليها المرض، لكن قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، نادت طفلتها وشجعتها قائلة: أي بنيتي، لا تخافي. إن الرب يسوع سيهتم بك ويرعاك. وبعد ذلك ماتت الأم أيضاً. وبذلك تُرِكت الطفلة من أبويها.
خرجت الطفلة، لتقف أمام بيتها، والذي كان يقع فى آخر حارة صغير مسدودة، لتنتظر من يهتم بها. وفجأة دخلت الحارة - على غير العادة - سيارة فارهة، يقودها رجل أرستقراطي، يبدو أنه كان قد أخطأ الطريق. وبينما هو يدور محاولاً الخروج من تلك الحارة المسدودة، لفت انتباهه منظر الطفلة، ففكّر فى نفسه قائلاً: لعلها تحتاج مساعدة، أو حتى طعاماً للعشاء.
اقترب منها وسألها: لماذا أنت هنا في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟
أجابت الطفلة: سيدي. لقد مات أبي، وماتت أمي، ولكنها قبل أن تموت أخبرتني أن الرب يسوع سيهتم بي. وها أنا بالانتظار.
اندهش الرجل من إجابة الطفلة، وقال لها: ادخلي بيتك وبيتي الليلة، فقد يتأخر مجيئه إلي الصباح.
قال هذا وهو يضع في يدها حفنة من الدولارات، وهمَّ بالانصراف.
فنادته الطفلة وهى تقول: لا يا سيدي. إني لا أريد دولارات أنا في انتظار يسوع، كما قالت أمي؛ إنها لا تكذب أبداً.
مضى الرجل بسيارته، وهو في غاية التأثر، وظلّت الطفلة في مكانها، تنتظر وتترقب. وما أن قطع أميالاً قليلة عن الطفلة العجيبة التي تنتظر يسوع، حتى جال بخاطره أن يعود ويأخذها، ويقوم بتربيتها. تردد في بادئ الأمر، لكن سرعان ما عاد للحارة المسدودة، وإذا بالطفلة واقفة في مكانها.. فنادها: طفلتي العزيزة أ لازلتِ في الانتظار؟
أجابت: نعم يا سيدي.
فنزل من سيارته، واتجه نحوها، وبحنان بالغ حملها بين ذراعيه.
فقالت له: شكرا لك يا سيدي العطوف. ولكن اسمح وقل لي: من الذي أرجعك؟
قال لها: الرب يسوع. أ لم تخبريني بأنك كنت في انتظاره؟ ها هو قد أرسلني إليك.
فطارت الطفلة وهى فرحة تحلق كالفراشة،
وقالت له: أ لم أقل لك إن أمي دائماً صادقة ولا تكذب أبداً.. لكن لماذا تأخرت يا سيدي؟
أجابها الرجل: عفواً يا سيدتي الصغيرة، فلن أتأخر بعد اليوم.
أصدقائي الأعزاء .. كما إننا لا نستطيع أن نضع حدوداً لعظمة المسيح وقدرته، كذلك أيضاً لا حدود لحنانه ومحبته، فهو الوحيد الذي تحنن على:
المرضى والجائعين: بعد أن تحنّن على المرضى وشفاهم جميعاً، تقدم تلاميذه قائلين: «اصرف الجموع»؛ أما هو فأشفق عليهم، وبخمس خبزات وسمكتين أشبع نحو خمسة آلاف رجل، ماعدا النساء والأولاد (مرقس6: 34-44).
العميان والمنبوذين: كان في أريحا أعميان، وسمعا أن يسوع مجتاز، فصرخا قائلين: «ارحمنا يا سيد». فانتهرهما الجميع ليسكتا، ولكنهما استمرا يصرخان. فوقف يسوع وناداهما، وتحنن ولمس أعينهما، فللوقت أبصرت أعينهما فتبعاه ( متى20: 29-34).
الحزانى والمكسورين: أرملة مات ابنها الوحيد، وفيما هم يحملونه والأم تبكي، جاء إليها يسوع، وتحنن عليها، وقال لها: «لا تبكي». ثم أقام الشاب ودفعه إلى أمه (لوقا 7: 11-15).
هذا هو ربنا وإلهنا. إنه حنّان وصدّيق ورحيم (مزمور116: 5).
لقد أظهر حنانه وشفقته، وأظهر سلطانه وعظمته.. لكن تأمله هناك في الصليب، لقد تُرك من البعيد والقريب وكأنه يقول: «انتظرتُ رِقّة فلم تكن، ومعزين فلم أجد» (مزمور69: 20). ولم يستخدم قوته بل «سكب للموت نفسه» (إشعياء 53: 12). فياله من إله حنّان!
لماذا تعيش محروماً من العطف والحنان وها المسيح صاحب الحنان يطرق بابك؟!