هل يمكن أن يستخدم الرب ولداً؟
«فقال الرب لي: لا تقل إني ولد، لأنك إلى كل من أُرسلك إليه تذهب، وتتكلم بكل ما آمرك به« (إرميا1: 7).
هذه كانت كلمات الرب لإرميا النبي العظيم، الذي دعاه الرب ليتحدث باسمه لشعب إسرائيل، في واحدة من أظلم فترات تاريخ الشعب.
تنبأ إرميا بدءاً من السنة الثالثة عشر للملك يوشيا (حوالي سنة627 ق.م)، وظل نشيطاً في خدمته طيلة حكم الملوك يوشيا ويهوآحاز ويهوياقيم ويهوياكين وصدقيا، حتى خراب أورشليم (586 ق.م). وحتى بعد سقوط أورشليم، ظل يتنبأ وهو في مصر لعدة سنوات. فكانت فترة خدمته حوالي 50 عاماً.
عندما دعاه الرب للخدمة كان شاباً في حوالي العشرين من عمره. ومن دعوته نتعلم دروساً أساسية، تهم كل من يريد أن يخدم الرب (اقرأ إرميا 1: 4-19).
الإعداء
«قبلما صوّرتك في البطن عرفتك، وقبلما خرجت من الرحم قدّستك، جعلتك نبياً للشعوب» (ع5).
من المهم أن نعرف أن الذي يشكِّل الخادم ويجهِّزه هو الرب. فهو قد صوّر إرميا في بطن أمه. لقد أعدّ جسمه وجهازه العصبي وقدراته الذهنية، بل وحتى ملامح شخصيته؛ وهذا لكى يتلائم مع الغرض الذى أوجده لأجله والخدمة التى كلّفه بها. والله، في سلطانه، لا يصنع خادمَين متطابقين تماماً. كلا، فهو الفنان الأعظم الذى يظهر روعة حكمته فى تشكيل كل واحد بصورة مختلفة عن الآخر. كان إرميا رقيقاً حساساً باكياً، وعلى العكس كان إيليا صارماً شديداً لا يعرف البكاء. ورغم اختلافهما إلا أن كلاً منهما كان نافعاً للعمل الذي حدّده له الرب.
ما أجمل أن ندرك سلطان الله وأن نخضع له، فنقبل أنفسنا كما شكّلنا هو، ونستودع ذواتنا بين يديه ليستخدمنا كما يريد هو. «لأنك أنت... نسجتني في بطن أمي. أحمدك من أجل أني قد امتزت عجباً. عجيبة هي أعمالك (في تشكيلي) ونفسي تعرف ذلك يقيناً» (اقرأ مزمور139: 13-17).
الدعوة
لا يمكن لإنسان أن يجعل من نفسه خادماً للرب، لكن الذي يصنع الخادم ويدعوه للخدمة هو الرب نفسه. يقول الرب لإرميا: أنا عرفتك وأنت فى البطن وقدستك (أفرزتك)، والآن ها أنا أرسلك للخدمة.
دعا الرب إرميا وهو ما زال شاباً صغيراً، والذى حدّد التوقيت هو الرب بمطلق سلطانه «قد وكلتك هذا اليوم»، كما أنه حدد له مجال خدمته: «جعلتك نبياً للشعوب»، وأيضاً نوعية خدمته «انظر: قد وكلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبني وتغرس». كانت خدمته إعلان القضاء علي الشعوب بسبب شرها وإثمها، أما نحن فلنا رسالة المصالحة «نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله» (2كورنثوس5: 20).
التشجيع
اعترض إرميا في البداية علي دعوة الرب نظراً لصغر سنه وقلة خبرته «آه يا سيد الرب إني لا أعرف أن أتكلم لأني ولد». لكن الرب دعاه ألا ينشغل بصغر سنه وضعف إمكانياته وشجّعه واضعاً أمامه ثلاثة أمور:
1- أنه مُرسل من الرب شخصياً وليس من أي إنسان «إلي كل من أرسلك إليه تذهب».
2-أنه سيتمتع برفقة الرب نفسه: «لا تخف من وجوههم لأني أنا معك لأنقذك».
3- أنه سيُعطى من الرب الكلام الذي يقوله: «ومد الرب يده ولمس فمي، وقال الرب لي: ها قد جعلت كلامي في فمك».
عزيزي القاريء، هل تشتاق لخدمة الرب؟ إن صوته يدعو: من أرسل ومن يذهب من أجلنا؟ فهل تقول: ها أنذا أرسلني؟
إن الرب نفسه هو برفقة من يطيعه وإمكانياته العظمى هي لحساب من يخدمه.