ما زلنا نتحدث عن أهمية التربة كعامل من عوامل النمو؛ وقد رأينا عوائق النمو ممثَّلة في أنواع التربة الثلاثة التي أشار إليها الرب يسوع في مثل الزارع. فهناك مَن يُشبِه المزروع على الطريق حيث جاءت الطيور وأكلته، وهو الشخص الغير مكترث بكلمة الله. فهو يسمع دون شعور بالاحتياج، وكأنه يقول «أنا غني وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء». وهناك مَن يشبه المزروع على الأماكن المحجرة، وهو الذي يتأثر تأثراً عاطفياً وسطحياً بالكلمة دون أن يتأصل فيه العمل الإلهي، ودون أن تخترق الكلمة ضميره وتُنشئ فيه توبة حقيقية. وهناك مَن يشبه المزروع بين الشوك حيث خنقته الأشواك وأعاقت نموه، وهذا هو تأثير الاهتمامات والشهوات والمعاشرات العالمية التي تخنق الكلمة في قلب الإنسان، فلا ينمو ولا يثمر.
والآن سنتحدث عن النوع الرابع من التربة وهو «الأرض الجيدة». وهذا هو النوع الوحيد الذي أتى بثمر. وفي المثل لا نرى كيف صارت الأرض جيدة، لكنها بالتأكيد هي الأرض التي اجتاز فيها المحراث وقلّب تربتها وأعدها لاستقبال البذار. وهذا يمثِّل جهاد الروح القدس مع النفس لكي يهيء الضمير لسماع الكلمة.
هذه الأرض وإن كانت لا تخلو تماماً من الأحجار والأشواك، لكن شيئاً من هذه لا يمنع النمو والثمار. ويجب أن نعرف أن القديسين الذين في الأرض والذين عمل فيهم روح الله، ليسوا بالكامل خاليين من الخطية، لكن الخطية لا تملك فيهم ولا تسيطر عليهم.
إن الأرض الجيدة تمثِّل شخصاً قد هيأ قلبه لطلب الرب، مثلما قيل عن بعض الملوك الأتقياء أمثال: يهوشافاط وحزقيا ويوشيا وغيرهم؛ وهيّأ قلبه لقبول الكلمة وسماع صوت الرب. إنه على استعداد أن يطيع ويخضع لإرادة الله. وهذا ما أظهره شاول الطرسوسي في أول لقاء له مع الرب إذ قال له: «يا رب ماذا تريد أن أفعل؟» (أعمال9: 6).
هؤلاء يسمعون الكلمة ويفهمونها ويحفظونها في قلب جيد صالح ويثمرون بالصبر (لوقا8: 15). إنهم يُخصصون ما يسمعون لأنفسهم ويتعاملون مع الكلمة كأقوال الله بكل احترام، والكلمة تُغرَس في أذهانهم وضمائرهم وقلوبهم. مثلما قيل عن المطوبة مريم أنها «كانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكِّرة به في قلبها» (لوقا2: 19). إنهم سامعون عاملون بالكلمة، وليسوا كالذي نظر وجه خلقته في مرآة وللوقت مضى ونسي ما هو.
إن تهيئة القلب لإطاعة الكلمة هي مزيج من عمل الروح القدس في كيان الشخص، والإرادة الخاضعة الصادقة من جانبه.
ثم نلاحظ أنه حتى على هذه الأرض الجيدة ليس الجميع متساويين في درجات الثمر. فالبعض أعطى مائة والبعض ستين والبعض ثلاثين. وهذا يرينا تفاوتاً بين المؤمنين في معدل النمو الروحي، وذلك بحسب تجاوبهم وخضوعهم للكلمة واجتهادهم في فهمها وحفظها. ويجب أن نعرف أن العوامل التي تعيق النمو نهائياً في غير المؤمن هي نفسها موجودة في المؤمن وتعيق نموه نسبياً.
والشيطان يحاول أن يسيطر على النفوس ويسعى لإضاعة تأثير كلمة الله لكي لا تحقق النتيجة الفعالة. مستخدماً الطبيعة الساقطة في المؤمن برغباته، والعالم بإغراءاته، وبذلك يعاكس نمو المؤمن ويجعل الثمر قليلاً.