بينما كانت الطائرة بوينج 737 وعلى متنها ركابها الثمانية والسبعون تحلِّق فوق العاصمة الأمريكية في صباح الأثنين 26/1/1982 هبت عاصفة ثلجية لم تشهد أمريكا مثلها منذ قرن حتى وصلت درجة الحرارة إلى 33 ْ تحت الصفر في ولاية ميامي. أخذ الثلج يتكاثر على جناحى وذيل الطائرة حتى بدت وكأنها حمامة حائرة لاتقوى على مواجهة الطبيعة الثائرة، فهوت بكل عنف فوق جسر على نهر البوتاماك في قلب واشنطون وحطمت 4 عربات ثم هوت في النهر المتجمد لينفتح بابها بقوة من هول الصدمة .
غرق معظم الركاب في النهر الجليدي بينما تمكن ستة منهم من النجاة وهم يتشبثون بالحياة وكانوا يُمسكون بأيديهم التي كانت تتجمد من اليأس أكثر من الطقس، بجزء بارز من ذيل الطائرة التي كانت تغوص تدريجيًا في النهر الثلجي.
حلَّقت فورًا فوق الطائرة التي تغرق طائرة هيلوكوبتر وألقى قائدها وكان اسمه وندسور بسرعة أسرع من النسور بحبل كطوق نجاة على الراكب الأول ولكنه وبدون تردد أعطى الحبل للراكب الذي كان يقف بجواره يُصارع الموت لينجو بدلاً منه .. مرة ثانية ألقى وندسور الحبل لنفس الراكب الأول إلا أنه مرة أخرى وفى حب شديد أعطى الحبل لراكب آخر كان بجواره لينجو بدلاً منه . مرة ثالثة ألقى القائد بالحبل إلى هذا الرجل المُضحي إلا أنه كالمرات السابقة أعطى الحبل لرجل ثالث وهكذا في كل مرة كان وندسور يلقى حبل النجاة على هذا الإنسان العجيب كان يعطي الحبل لآخر لينجو بدلاً منه.
وفي المرة السادسة ألقى وندسور الحبل بكل حماس إلى هذا الرجل الملئ بالحب والإحساس إلا أنه كان قد غاص كالرصاص مُتشبثًا بالطائرة بلا مناص حيث لفظ آخر الأنفاس ليكون كبش فداء وخلاص عن هؤلاء الناس .
أطلقت الصُحف الأمريكية على هذا الإنسان الفدائي لقب «المنقذ العالمي» لأنه مات ليعيش خمسة آخرون بدلاً منه ..
أخي . . أختي . . هل ترى أنت أيضًا أن هذا الإنسان هو المنقذ العالمي؟ أنا لا أرى ذلك ليس فقط لأنه مات لأجل عدد محدود من البشر، ولكن لأن آلامه أيضًا من أجلهم وإن كانت رهيبة ولكنها محدودة بالمقارنة بآلام المُنقذ العالمي الحقيقي . فمَنْ هو هذا؟ إنه الرب يسوع المسيح مخلص العالم (يو 4: 32). فهل علمت ماعمله الرب يسوع المسيح ليكون كفارة ليس لخطايا خمسة فقط بل لخطايا كل العالم (1يو 2: 2) إذًا أدعوك لتُرافقنى في هذه الرحلة السريعة عن الآم المسيح لتتأمل معي المُنقذ العالمي الحقيقي الذي غرق لا فى نهر البوتاماك، بل غرق تحت دينونة خطايانا فصرخ «غرقتُ في حمأة عميقة وليس مقر دخلت إلى أعماق المياه والسيل غمرني» (مز 69: 2).
{1} الآلام من الأيدي البشرية: وهي الآلام التي احتملها المسيح عن طريق البشر
أ - الآلام الجسدية : فالجلدات مزقت جسده العاري والكلمات والضربات بالقصبة انهالت على وجهه وجبينه الذي غرسوا فيه بكل عنف إكليلاً من الشوك ولقد حمل الصليب على ظهره الممزق ثم دُقت المسامير بوحشية في يديه ورجليه - يالها من آلام رهيبة.
ب - الآلام النفسية : فخيانة يهوذا وإنكار بطرس وهَرَب باقي التلاميذ والقبض عليه كلص ثم ربط يديه ثم العار الذي شعر به عندما عرّوه واستهزأوا به بثوب الأرجوان والقصبة في يمينه . وكم كان شعوره عندما بصقوا في وجهه وعندما لطمه العبد على وجهه الكريم .. آه .. إنها آلام نفسية لايمكن تصورها .
{2} آلام العدالة الإلهية : وهي الآلام التى احتملها المسيح من محكمة العدل الإلهى كبديل عنا.
أ - وجود المسيح في مركز البدلية : لم يُعتبر المسيح القدوس وهو على الصليب بديلاً عنا كخاطئ فقط إذ قال «حماقتي وذنوبي» (مزمور 69: 5) ولكنه أُعتبر أيضاً أنه الخطية نفسها كما هو مكتوب «لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه» (2كو 5: 21).
ب - قبوله عار الخطية : إن عار الشعوب الخطية (أمثال 14: 34) والعار يعني الفضيحة . وهكذا احتمل المسيح العار بدلاً منا حتى قال «العار قد كسر قلبي فمرضت» (مزمور 69: 20).
ج - صار لعنة الخطية : فاللعنة التي لابد أن تنصب على رأس الخاطئ إنصبت على المسيح في الصليب بل إنه هو نفسه صار لعنة لأجلنا (غلاطية 3: 13).
د - احتماله عذاب الخطية : فالجحيم بكل ويلاته ونيرانه وعذاباته النفسية قد احتمله المسيح وهو يدفع أجرة خطايانا . فاسمعه يقول «صار قلبي كالشمع قد ذاب فى وسط أمعائي. يبست مثل شقفة قوتي ولصق لساني بحنكي» (مزمور 22: 14 - 15).
كل هذا احتمله الرب يسوع المسيح لأجلي ولأجلك لكي يُنقذك . فهل رأيت أيها العزيز أن ماقدمه الرب يسوع يفوق بما لايُقاس ماقدمه مُنقذ نهر البوتاماك لكي يهبك حياة أبدية؟ فهل تقبل حبل النجاة الذي يقدمه لك الآن المسيح مخلص العالم؟ إذاً صلٍ معي:
صلاة :
يا من إحتملت نيران العدل الإلهي لأجل الخطية، إنقذني الآن وأعطني حياة أبدية، فإني إنسان آثم لكني أؤمن أنك المسيح مخلص العالم. آمين ...