فتاة يتيمة، عاشت في بلاد غريبة، تولى تربيتها أحد أقاربها، صارت إمرأة عظيمة . وفي الكتاب المقدس سفر كامل بإسمها إنها:
أستير
إن الذي يلفت نظرنا عندما نقرأ سفر أستير أن اسم الله لم يُذكر فيه ولا مرة واحدة ولكن على الرغم من ذلك يمكن أن نرى يد الله من خلال أسطر هذا السفر . إننا نرى العناية الإلهية - عناية الله الفائفة التي تعلو فوق مداركنا والتي إزاءها نقف مُعجبين بأعمال الله بل وواثقين ثقة كاملة في حكمته الفائقة . هذا درس هام جدًا ، خاصة للشباب . إن يد الله مُمسكة بزمام كل الأمور في حياتنا حتى مايبدو تافهًا أمامنا. إنه يُدير كل الأمور ويحرك كل الأشياء لإتمام مقاصده . قال إرميا النبي: «من ذا الذي يقول فيكون والرب لم يأمر» (مراثي 3: 37).
مَنْ هي أستير : فتاة يهودية وُلدت في بلاد فارس من أبوين كانا قد سُبيا أصلًا مع المسبيين إلى بابل. وفي وقت مبكر من حياتها فقدت الأب والأم وأصبحت يتيمة. غير أن الله في عنايته دبر مَنْ يعتنى بها.
دبر الله أن يتبناها إبن عمها مردخاي (أستير 2: 5-7) وكان شخصًا يخاف الله وهو قام لها بدور الأب والأم والمربي . ألسنا نرى إتمام الرب لوعده الذي تغنى به داود: «إن أبي وأمي قد تركاني والرب يضمني» (مزمور 27: 10)؟ أيوجد في حياة الأطفال أهم من الأب والأم؟ وما الذي يمكن أن يعمله الأولاد بدون والديهم؟ ها أستير تُرينا مَنْ هو أعظم وأحكم وأكثر حنانًا وعطفًا من الوالدين . إنه الرب الذي أعلن عن نفسه أنه «أبو اليتامى» (مزمور 68: 5) هل يا أصدقائي نثق في الرب إلهنا ثقة تامة؟ وهل نعتمد عليه بكل قلوبنا؟ أم نحمل همومنا ونخاف ونضطرب؟.
اسمها :
ذُكر اسمها في سفرها 58 مرة، نظرًا للدور الذي قامت به في شوشن بل في كل الإمبراطورية التي كانت تُعتبر من أعظم الإمبراطوريات في ذلك العصر . كان لها اسمان : هدسة وأستير :
الأول - هدسة : هو اسمها العبراني ويعني «الآس» وهو نبات جميل المنظر ذو رائحة عطرة وأوراقه دائمة الإخضرار. وهكذا كانت حياة هذه الفتاة كرائحة الآس العطرة، تم فيها أنها «رائحة المسيح الذكية» (2كو 2: 15 ) .
الثاني - أستير : ومعناه نجم أو كوكب نسبة إلى كوكب الزهرة اللامع الوضاء. وبالفعل فقد لمع اسم فتاتنا أستير كنجم ساطع في سماء العهد القديم. وقد استمدت نور حياتها من مصدر كل نور، من الله الذي هو أبو الأنوار .
صفات نادرة :
تميَّزت أستير بالجمال الطبيعي إذ كانت «جميلة الصورة وحسنة المنظر» (أس 2: 7) لكنها إتسمت بجمال آخر، جمال الصفات الرائعة التي تحلَّت بها ولاشك بسبب علاقتها الحقيقية الشخصية مع الرب. فلقد كانت :
متواضعة : فرغم جمالها واختيارها من ضمن الفتيات المرشحات ليختار منهن الملك زوجته إلا أن هذا لم يؤدِ بها للكبرياء - كما يحدث في كثير من الأحيان مع الفتيان والفتيات .
كانت تقبل نصيحة المسئولين عنها : سواء مردخاى مُربيها أو هيجاي المسئول عنها. لم تتصرف بفكرها أو تستقل برأيها، رغم أن ظروفها أتاحت لها هذا فكان من حق كل فتاة تتقدم إلى الملك أن تطلب ماتشاء، أما عن أستير فنقرأ «ولما بلغت نوبة أستير .. للدخول إلى الملك لم تطلب شيئًا إلا ما قال عنه هيجاي خصي الملك» (أس 2: 15) أليست هذه صفة رائعة يا أعزائي نشتاق أن تكون فينا جميعًا ؟! الكتاب المقدس يُعلمنا كثيرًا عن التواضع ويبرز لنا أهميته في نصيحة بطرس الرسول للأحداث «أيها الأحداث اخضعوا للشيوخ ... وتسربلوا بالتواضع لأن الله يُقاوم المستكبرين وأمــا المتواضعـــون فيعطيهـم نعمــة» (1بطرس 5: 5) . وتم هذا مع أستير: «وكانت أستير تنال نعمة في عيني كل من رآها» (أس 2: 15).
كانت أستير مُطيعة : وظهر هذا مع مردخاي مُربيها. فلقد كانت مُطيعة لكلامه وهى لازالت صغيرة تتربى على يديه (أس 2: 10) . ثم ظلت منفذة لتوجيهاته بعد أن صارت الملكة . يا لها من فضيلة! لقد صارت أشهر إمرأة في الإمبراطورية، المرأة الأولى في مملكة فارس وكان يمكن أن تتجاهل ابن عمها وتوجيهاته، لكنها لم تفكر بهذه الطريقة بل استمرت الابنة المُطيعة. «ولم تكن أستير أخبرت عن جنسها وشعبها كما أوصاها مردخاي . وكانت أستير تعمل حسب قول مردخاي كما كانت في تربيتها عنده» (أس 2: 20). هل نحن أيضٍا على استعداد أن نظل طائعين لوالدينا ولمن اعتنوا بنا في الصِغر وعلمونا تعاليم الرب؟ «اسمع يا ابني تأديب أبيك، ولا ترفض شريعة أمك، لأنهما إكليل نعمة لرأسك وقلائد لعنقك» (أمثال 1: 8، 9).
تقوى وشجاعة :
واجهت أستير موقفًا من أصعب المواقف التي نقرأ عنها في الكتاب. فلقد تعرَّض شعبها لمؤامرة إبادة وصدر مرسوم ملكي بهذا. وكانت قرارات المملكة لا يمكن الرجوع فيها لأن الكتابة التي تُكتب باسم الملك وتُختم بخاتمه لا تُرَّد» (أس 8: 8). كيف تصرفت أستير؟ طلب منها مردخاي أن تدخل إلى الملك وتتضرع إليه لأجل شعبها. لكن المشكلة أن الملك لايقبل دخول أي رجل أو إمرأة إليه ما لم يَدْعُه. وما لم يمد الملك قضيب الذهب للشخص الداخل فإن مصيره القتل.
كان أمام أستير خطر الموت إذ أنها لمدة ثلاثين يوماً لم تُدعَ للدخول إلى الملك، لكنها مع ذلك لم تتراجع بل بشجاعة فائقة قالت «فإذا هلكت، هلكت» . لجأت أستير إلى أقوى وسيلة لمواجهة الأزمات : الصوم والصلاة. فقد أوصت مردخاي أن يصوم هو وأفـراد شعبهــا الموجـودين بشوشن لمدة ثلاثة أيام وصامت هي أيضًا وجواريها ذات المدة (إقرأ ص4). فتدخل الرب بصورة عجيبة وأعطاها نعمة في عيني الملك كما أعطاها حكمة في عرض قضيتها. وتم إنقاذ شعبها وحوَّل الله المؤامرة ضدهم إلى نجاة ونُصرة لهم.
أعزائي الفتيان والفتيات : هل اختبرتم فاعلية الصلاة والصوم في مواجهة الأزمات والصعاب. إني أدعوكم لتمارسوا إيمانًا وشجاعة مثل أستير . إن الرب هو هو لا يتغير وقوته أيضًا لم تنقص وهو مستعد أن يصنع من كلٌ منكم إناءً للكرامة يتمجد فيه، فهل تشتاقون لهذا؟