في يوم 11/3/1830 بدأت فتاة إنجليزية، في العاشرة من عمرها، دروسها مع مدرِّسها الخاص الذي أحضره إليها أبيها. وكان موضوع درسها الأول هو "تسلسل وراثة العرش الإنجليزي". وعند نهاية الدرس أدركت "فيكتوريا" - وكان هذا هو اسمها - أدركت أنها وليّة العهد، وأنها الملكة القادمة لعرش الإمبراطورية البريطانية التي وُصِفَت يومها بأنها "الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس".
وبعد انصراف المدرس، دخل أبوها الملك عليها في حجرتها؛ فوجد عينيها دامعتين، ووجهها مليء بتعبيرات الرهبة والهيبة والجدية.
وبعد فترة صمت طويلة سألت فيكتوريا أباها: "أ هذا صحيح؟! هل أنا ملكة المستقبل في إنجلترا؟!".
أوما إليها أبوها موافقًا، فمسحت الفتاة دموعها وقالت بجدية واضحة: "إذًا يجب أن أكون فتاة صالحة من الآن".
لقد أدركت عظمة ما ستكون عليه في المستقبل، فصمّمت أن تتصرف وتعيش بمقتضى هذا المركز من يومها فصاعدًا.
وبعد قرابة سبع سنوات من هذا التاريخ، وقبل أن تتم عامها الثامن عشر، تُوِّجت فيكتوريا ملكة لبريطانيا العظمى، وظلت متربعة على العرش لفترة طويلة امتدت لأكثر من نصف قرن، وكانت فترة حكمها هي أزهى عصور الإمبراطورية البريطانية، بفضل تقواها وصلاحها وتمسكها بتعاليم الكتاب المقدس؛ ويشهد التاريخ بذلك.
وقد قالت الملكة فيكتوريا في أواخر حياتها: "أنا أؤمن يقينًا بمجيء الرب يسوع المسيح ثانية، وأحيانًا يخطر لي أنه - له كل المجد - سمح لي بأن أملك هذه المدة الطويلة، ربما لكي لا أتخلَّى عن التاج إلا بوضعي إياه عند قدميه عندما يأتي ثانية ليملك". وكان ذلك تعبيرًا جميلاً عن خضوعها للرب، وقد كانت حازمة في اعترافها بإيمانها المسيحي، وعاشت بمقتضى هذا الإيمان.
عزيزي المؤمن... هل تدرك أنك واحد من ملوك المستقبل؟! هل تدرك السمو الذي أوصلنا إليه الرب يسوع المسيح في نعمته الغنية؟! لقد ربح قلوبنا بمحبته العجيبة التي أحبنا بها ونحن خطاة أثمة، ولم يغسّلنا من خطايانا ونجاساتنا بشيء أقل من دمه الكريم، وما أرفع المقام الذي أوصلنا إليه إذ جعلنا «ملوكًا وكهنة لله أبيه» (رؤيا1 :5، 6). أ فلا تفيض قلوبنا سبحًا تعبدًا للذي أعطانا معه نصيبًا في ملكه إلى أبد الآبدين (رؤيا5 : 10 ؛ 20 :6؛ 22 :5).
ويا ليتنا لا نفرح فقط بكل ما أجزلته لنا نعمة الله، بل لنسلك أيضًا كما يحق لغنى هذه النعمة. وإذ ندرك مقامنا السماوي نسلك السلوك الذي يوافقه ونحن هنا على الأرض.
يا ملوك المستقبل: تصرَّفوا تصرفات الأمراء السماويين، بكل نبل وتعفف، من الآن...
وإلى اللقاء على سحاب السماء.