رآينا في المرة السابقة أهمية التربة الجيدة في نمو النبات. وفهمنا أنها تمثَّل شخصاً هيّأ قلبَه لاستقبال الكلمة بشوق واحترام وتقدير، وبطاعة واتضاع كثير.
وفي هذا العدد نتناول العامل الثاني للنمو، وهو:
الغذاء المناسب
إن كل كائن حي، سواء في المملكة النباتية أو الحيوانية، يحتاج إلى الغذاء المناسب لكي ينمو به؛ وهكذا أيضًا في المجال الروحي.
إن الطفل حديث الولادة يرضع اللبن بالغريزة الطبيعية دون أن يعلمه أحد ذلك. إنه يجوع بسرعة، لذلك يظل يصرخ ولا يهدأ حتى تسعفه أمه باللبن الذي يُشبع جوعه ويسكِّن آلامه.
وأمام هذا المنظر، الطفل المتعطش إلى اللبن، ألا نتعلم درسًا روحيًا؟ وأ ليس هذا ما قاله الرسول بطرس «كأطفال مولودين الآن اشتهوا اللبن العقلي العديم الغش لكي تنموا به» (1بطرس 2:2)؟ إنه يقصد بالتأكيد كلمة الله، التي هي الغذاء المناسب لنمونا الروحي.
هل تعرف أيها القارئ العزيز لماذا أنت هزيل وضعيف هكذا من صباح إلى صباح؟ ولماذا معدَّل نموك الروحي بطيء، وصحتك الروحية معتلة بهذا الشكل؟ إن الجواب الواضح هو أنك لا تتغذى على كلمة الله كما ينبغي. والأسباب لذلك كثيرة نذكر منها ما يلي:
1- ربما أنك أقنعت نفسك بالفتات القليل جدًا من القراءة السطحية العابرة. وهذا بالطبع لا يكفي إطلاقًا لبنيان كيانك الروحي وإعطائك الطاقة الروحية المطلوبة.
2- ربما تعاني من فقدان الشهية الروحية، ولم تعد تجد في الكتاب لذة كما كنت في البداية. وهذه بالتأكيد حالة مرضية. وأغلبنا يعرف أن من عنده حمى (ارتفاع في درجة الحرارة نتيجة ميكروب في الدم)، يفقد شهيته للطعام. وفي الحياة الروحية إذا تسربت إلى كيانك جرثومة خطية (أي نوع من الخطية)، وتمكنت منك فستعاني من الإعياء الروحي وفقدان الشهية للكتاب.
3- وقد يكون الأمر مجرد إهمال. والإهمال سيؤدي إلى مزيد من الإهمال. ومع الوقت سيستهلك كل المخزون، وتضعف مقاومتك أمام جراثيم الخطية المحيطة بك، والتي بدورها ستقتل الشهية الروحية للكتاب المقدس. أنت لا تستطيع أن تستغني عن الطعام الجسدي لمدة يوم كامل، والأمر أهم وأخطر بالنسبة للطعام الروحي.
4- قد تستبدل الكلمة بقراءات أخرى أدبية أو فلسفية أو عملية أو نفسية أو اجتماعية، أو حتى قراءات لها طابع روحي. لكن تذكر أن كل هذه في مجموعها هي كتابات بشرية. وقد تكون نافعة ومفيدة لك إنسانيًا، فتخلق منك إنسانًا مثقفًا واسع الأفق؛ لكنها لن تفيدك روحيًا، ولن تنميك في علاقتك بالرب. فلا بديل عن كلمة الله الحية كالغذاء الوحيد الذي يبنيك روحيًا. وقد تجلس ساعات طويلة أمام الكومبيوتر للتسلية، أو تبحر في شبكة المعلومات (الإنترنت) لمزيد من المعرفة وحب الاستطلاع؛ وعندما تذهب بعد ذلك للكتاب المقدس لا تجد الطاقة أو الرغبة في ذلك.
5- احذر من القراءات أو المشاهدات العالمية الفاسدة التي تحوي سمومًا، مع أنها قد تكون مغرية وجذابة للطبيعة البشرية، لكنها ستقضي على الشهية الروحية لكلمة الله. وأرجو ألا تحتفظ بشيء من هذه لتعود إليها عند اللزوم. احفظ مكتبتك نظيفة، واحفظ ذهنك نقيًا، واحفظ نفسك طاهرًا. واسمع نصيحة الرسول بولس «لا تصنعوا تدبيرًا للجسد لأجل الشهوات» (رومية13: 14).
6- قد يكون السبب في فقدان الشهية للكتاب هم الأصدقاء. وعليك أن تراجع نفسك؛ ما هي الأحاديث التي تدور بينكم. وإذا كانوا غير مؤمنين فيقينًا سيخلو الحديث عن أي شيء روحي، وستضطر أن تجاريهم في أحاديثهم واهتماماتهم لئلا تُتهم بالتخلف وضيق الأفق لو تحدثت عن كلمة الله؛ وعند هذه النقطة يفشل الكثيرون، لا سيما صغار النفوس الذين يعز عليهم هذا الاتهام فيضربون بالروحيات عرض الحائط، والنتيجة الحتمية هي الهزال الروحي وتعثر النمو. وهذا هو التخلف الحقيقي.
7- عدم وجود هدف واضح محدَّد أمامك، سيجعل قراءتك للكلمة سطحية وعشوائية. وهذا لن يقود إلى نمو حقيقي في حياتك الروحية.
وللحديث بقية