بمجرد أن التقينا بادر الشاب صديقه الشيخ، بلهفة وشوق، بالقول:
أسعفني بحديثك، فإني في شديد الشوق لنتكلم عن كيفية اختيار الصديق.
وهل تجد أهمية لأن نتكلم عن ذلك؟
ما دام للصداقة أهمية، وما دام للصديق مثل ذلك التأثير الذي تحدثنا عنه، فبكل يقين أن اختيار الصديق لهو أمر في غاية الأهمية.
دعني أبدأ حديثنا بأن أذكرك أن الصديق ليس هو مجرد زميل أو شخص ألتقي به عرضاً، بل هو إنسان أختاره ليرافقني مشواراً طويلاً من حياتي، ولي عميق الأثر فيه كما أن له عميق الأثر فيَّ.
أذكر ذلك جيداً.
أذاً علينا في بداية حديثنا عن اختيار الصديق أن نفهم مبدأ كتابي هام. افتح معي من فضلك سفر عاموس 3:3، واقرأه لنا.
«هل يسير اثنان معاً إن لم يتواعدا؟».
إن معنى كلمة «يتواعدا» هو «يتوافقا»، أي أن الكتاب يقرِّر هنا أنه لا يمكن لاثنين أن يسيرا معاً دون أن يكون بينهما اتفاق؛ على الأقل على وجهة سيرهما ومقصدهما. فإذا كان مقصد واحد شرقاً ومقصد الآخر غرباً، فهل يمكن لمثل هذين أن يسيرا معاً؟
بالطبع لا. لكن ما دخْل ذلك باختيار الصديق؟
إن أول القواعد التي يجب أن تلاحظها عند اختيارك لصديقك هو أن يكون لكما وجهة واحدة في الحياة. فإذا كنت تبغي أن تكرم الرب وتحيا له، فلا يُعقَل أن يكون صديقك غير مؤمن، لا يبالي بأمور الله، ولا يهمه إلا مسراته ولذاته التي لا يجدها إلا في العالم وشهواته. وهذا ما يعبِّر عنه الرسول بولس بالقول «لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين» (2كورنثوس6: 14).
ما معنى «نير»؟
هذا التعبير هو من وحي الطبيعة. فعندما تُجَّر الساقية أو يُحرَث حقل باستخدام حيوانين، يوضع على عنقيهما خشبة تربط بينهما، فلا يتحرك كل منهما في اتجاه بل يسيرا معاً. ولكي ينجح هذا النير في عمله، فلا بد أن يتساوى الاثنان في ارتفاعهما وطريقة حركتهما، حتى يتمكنا من السير بنفس الطريقة؛ لذلك فليس من المناسب ربط ثور وحمار معاً لاستخدامهما في الحرث، وهذا ما قاله الكتاب في تثنية 22: 10.
أتريد أن تطبِّق هذا المبدأ على اختياري لصديقي بألا يكون غير مؤمن؟
نعم، وقد أكد الرسول بولس هذا عندما استطرد يقول:«لأنه أية خلطة للبر والإثم؟ وأية شركة للنور مع الظلمة؟ وأي اتفاق للمسيح مع بليعال؟ وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن؟». وهي كلها أسئلة استنكارية، لا تقبل إلا النفي، وجميعها تفيد أنه لا يوجد أدنى توافق بين المؤمن وغير المؤمن، وأنهما لا يمكن أن يتواعدا أو يتفقا، وبالتالي لا يمكن أن يسيرا معاً إلا في حالة واحدة.
ما هي هذه الحالة؟
أن يُعدَّل أحد الطرفين من ميوله ورغباته، ليتوافق مع الآخر؛ وسيكون هذا الطرف هو المؤمن بدون أدنى شك.
ولماذا لا يكون الطرف الآخر؟
حيث أن غير المؤمن لا يمكنه أن يرغب في أمور الله - فهو لا يستطيع ذلك إذ أنه لم ينل طبيعة جديدة تتوافق مع أمور الله وترغب في إكرامه - وفي ذات الوقت لا يمكنه بالمرة التنازل عن رغباته وشهواته في أمور الملذات العالمية؛ لذا فسيجد المؤمن نفسه ملزَماً على أن يقدِّم تنازلات عن مبادئه ليساير غير المؤمن، وستكون له إمكانية في ذلك إذ أنه ما زال يحتفظ بالطبيعة القديمة بداخله؛ لكن بالطبع سيحدث ما لا يُحمَد عُقباه «لأن من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فساداً» (غلاطية6: 8).
إذاً، يمكننا أن نضع شرطاً أولياً للصديق أن يكون مؤمناً.
دعني أضيف على قولك ما قاله صاحب المزمور «رفيقٌ أنا لكل الذين يتّقونك ولحافظي وصاياك» (مزمور119: 63). هل لاحظت شيئاً من هذه العبارة؟
نعم، لقد حدد رفقاءه من نوعية خاصة من المؤمنين، هم متقو الرب وحافظي وصاياه.
إن مرنم مزمور119، كما يظهر من كل كلماته، من محبي كلمة الله، لذا اختار رفقاءه من محبي كلمة الله أيضاً. لذا دعني أقول لك إنه ينبغي أن يكون لصديقي نفس ميولي الروحية:من حيث تقديري لكلمة الله ورغبتي في العيش له ومحبتي للشركة معه؛ فنتمكن من السير معاً ومن بناء أحدنا الآخر.
وهل من معايير أخرى أضعها في اعتباري عند اختيار صديقي؟
هذا حديث المرة القادمة، فإلى لقاء.