أثناء الثورة الفرنسية اعتُقل كثيرون، كان من بينهم الكونتس “لابياني”. وتم احتجازها هي وخادمتها في انتظار تنفيذ حكم الإعدام فيها. ظلت الكونتس لابياني في بكاء مستمر، تعبيراً عن مخاوفها وأحزانها وضيقة نفسها، حتى لم تبقَ لها قوة على البكاء؛ وعندها راحت في سُبات عميق من التعب والإعياء. بعد قليل استيقظت الكونتس منزعجة، ولشدة دهشتها أنها لم تجد خادمتها، ولكن وجدت ملابس خادمتها ملقاه بجوارها، كما لم تجد الكونتس ملابسها الشخصية التي كانت موجودة معها في الحجرة.
وبعد دقائق فُتح الباب ودخل ضابط، فأيقنت الكونتس وقتها أن ميعاد الموت قد جاء، وأن هذا الضابط سيقودها إلى حبل المشنقة لا محالة. ولكن، ويا للعجب، قال لها الضابط: “أيتها الخادمة.. اذهبي بسلام، لقد تم تنفيذ حكم الإعدام في سيدتك الكونتس لابياني”. وعندما نظرت إلى قائمة المحكوم عليهم بالإعدام، وجدت اسمها وبجواره مكتوب: تم تنفيذ حكم الإعدام فيها.
خرجت الكونتس ودموعها تسيل بغزارة من مُقلتيها، وقد أدركت أن خادمتها لبست، طواعية واختياراً، ملابسها، ليُنفَّذ فيها حكم الإعدام بدلاً منها، وبالفعل ماتت لأجلها في قصة فداء نبيلة، قليلاً ما يعرفها العالم.
قارئي العزيز.. قارئتي الفاضلة.. بالتأكيد أُعجِبت واندهشت من حب هذه الخادمة لسيدتها.. ولكن لديَّ قصة أعجب جداً جداً من هذه. هل عرفت أن السيد مات لأجل العبيد؟ فلقد مات الرب يسوع، وهو الله الظاهر في الجسد (1تيموثاوس3: 16)، وملك الملوك ورب الأرباب (رؤيا19: 16)؛ مات لأجلي ولأجلك، نحن البشر مخلوقاته الذين كنا عبيداً للخطية (يوحنا8: 34)، وللشيطان (عبرانيين2: 15). وليس كما لبست الخادمة ملابس سيدتها لبس المسيح ملابسنا فقط، لكنه أخذ جسداً مثلنا، ذاك الذي «إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد... وإذ وُجِد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب» (فليبي2: 6-8).
ما أعجب حبه! اسمعه قبل أن يذهب ليموت لأجلنا قائلاً: «ليس لأحد حب أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه» (يوحنا15: 13). ولكن ويا للعجب، ما زال الإنسان يعاديه!
تأمل معي في تلك الآيات الرائعة «لأن المسيح، إذ كنا بعد ضعفاء، مات في الوقت المعيَّن لأجل الفُجَّار. فإنه بالجهد يموت أحد أيضاً لأجل بار، ربما لأجل الصالح يجسر أحد أن يموت، ولكن الله بيَّن محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا» (رومية5: 6-8). فهل تُقدِّر حبه؟ هل تعطيه حياتك طواعية واختيارياً الآن؟ إنه سبق ومات لأجلك لتعيش لأجله، كما قال الرسول بولس: «لأن محبة المسيح تحصرنا، إذ نحن نحسب هذا: أنه إن كان واحد قد مات لأجل الجميع، فالجميع إذاً ماتوا. وهو مات لأجل الجميع، كي يعيش الأحياء فيما بعد، لا لأنفسهم، بل للذي مات لأجلهم وقام» (2كورنثوس5: 14 ، 15). هل تصلّي معي الآن؟
صلاة: يا رب الأرباب .. يا ملك الملوك.. إني أتوسل، وبكل قلبي أرجوك.. اكشف لي لماذا أهانوك؟ لماذا عيّروك وعرّوك؟ لماذا تاج شوك ألبسوك، وجلَدوك؟ أُسلِمك حياتي، فارحمني... إني من كل قلبي أدعوك.