أمجاد مضت... و نهاية أوشكت
ما هذا؟.. حلم؟.. أم هذيان؟.. طائرة تقترب من مكتبي!!
فجأة تعالت صرخات كثيرين والأرض تميد من تحتهم، ودوت أصوات فرقعات مروعة، وزاد من رعب المشهد ألسنة نيران كادت تلامس السحاب، وسط غموض ما يحدث.. ما الذي يحدث؟ هل هو زلزال؟ أم أنه كابوس مروع؟ هل هو أحد أفلام الرعب التي اشتهرت بها السينما الأمريكية؟
هذا ما كان في التاسعة إلا الربع من صباح الثلاثاء 11 سبتمبر 2001، بنيويورك. ذلك اليوم الذي بدأ في حياة الكثيرين مثله مثل أي يوم آخر من أيام الحياة، لكنه لم يكتمل هكذا، بل، من هول أحداثه، أسموه الثلاثاء الأسود أو يوم الفزع في أمريكا. فقد شهد هذا اليوم أحداثاً أبعد من الخيال، أدخلت الفزع والرعب إلى قلوب الكثيرين، وقبل أن يفيق الناس من هول الصدمة كان الخراب قد عَمَّ واحدة من أبهى بقاع الولايات المتحدة، وكان مبنى الدفاع قد تصدَّع دون أن يملك الدفاع عن نفسه، وتبع ذلك الكثير من الأحداث المهولة التي جعلت من ذلك اليوم يوماً قاسماً للتاريخ الحديث، لن يعود الناس إلى ما كانوا عليه قبله أبداً.
أقوى الألقاب
ومبنى مركز التجارة العالمي WTC، يتكون من برجين متجاورين متماثلين، حتى لُقِّبا معاً بالبرج التوأم Twin t*wer، يتكون كل منهما من 110 طابقاً بارتفاع 415 متراً، وقد افتُتح أحدهما سنة 1970 والآخر سنة 1973. وتُقدَّر تكلفة إعادة بنائهما اليوم بعشرات مليارات الدولارات. تشغل مكاتبه 900 شركة من كُبريات الشركات التي تتحكم في التجارة وأسواق المال على مستوى العالم، ويعمل به 50 ألفاً، ويرتاده يومياً مثل هذا العدد أو أكثر. وتميز المبنى برونق فخم خاص، لا يملك مَنْ يقف ليشاهده عن قرب إلا أن يعبِّر عن إعجابه به، وكان يُعتبر من أهم المزارات التي يقصدها زائر نيويورك نظراً لجاذبيته الخاصة؛ لذا فقد حمل أقوى الألقاب: أعلى مبنى، أغلى مبنى، أغنى مبنى، أروع مبنى.... الخ.
صديقي.. ارجع معي بذهنك إلى ما قبل 11 سبتمبر، واسأل نفسك بأمانة: إذ تسمع عن عظمة هذا المكان وما فيه، أَ لم تكن تتمنى أن تكون هناك يوماً لتُمتع عينيك بروعته؟ أما كنت تحلم أن تمتلك من بعض ما فيه، وتتعامل بلغة أرقام الأموال الكبيرة المرتبطة به؟ إن كان كذلك فاقرأ من فضلك مزمور37.
بهاء زال وأمجاد لن تستمر
لقد تحوَّل هذا المبنى الضخم الفخم، في أقل من 100 دقيقة، إلى حطام يصعب أن يوجد فيه ما يصلح للاستخدام، لم يعد سوى كومة أتربة. ذلك المبنى الذي طالما اعتُبِر من الأمجاد، قد زال! ولا عجب فقد قال الكتاب إن «كل مجد إنسان كزهر عشب. العشب يبس، وزهره سقط» (1بطرس1: 24). ذكَّرني ذلك بمبنى عظيم كان قديماً، عندما مَرّ به الرب ومعه تلاميذه، لم يتمالكوا أنفسهم من أن يبدوا إعجابهم به، فكان رد الرب: «أ تنظر هذه الأبنية العظيمة؟ لا يُترك حجرٌ على حجرٍ لا يُنقَض» (مرقس13: 2)؛ وقد كان كذلك ونُقِضَ الهيكل.
صديقي.. لقد زال أبهى مبنى في القديم، وفي الحديث؛ فهل تعتقد أنه هناك ما هو باقٍ في هذا العالم؟ اسمع ما يقوله الكتاب: «العالم يمضي وشهوته، وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد» (1يوحنا2: 17)، أيهما تختار: الزائل أم الثابت إلى الأبد؟ كذا يقول الكتاب إن «هيئة هذا العالم تزول» (1كورنثوس7: 31)، فلا تخدعنَّك مظاهر هذا العالم، فكلها إلى زوال.
أعلى معدلات الأمان
عقب سقوط المبنى، صرخ أحد المهندسين الذين شاركوا في تصميمه قائلاً: «مستحيل، لقد صُمم المبنى على ألا يسقط حتى وإن اصطدمت به طائرة، لقد استخدمنا فيه أعلى معاملات الأمان (safty factor)».. لكنه سقط! لقد صدّق الكثيرون من قَبل أن هذا المبنى آمن، ولا خطر على من فيه على الإطلاق، ولم يكن أحد يتوقع له نصف ما حدث.
صديقي.. إن أردت أن تعرف مكان الأمن الحقيقي بعيداً عن الشر والأخطار، فاقرأ مزمور91، واسأل نفسك: هل أنت من ساكني سِتْر العلي؟ إن كان لا فأسرع واحتمِ فيه، فليس من حصن كاسمه (أمثال18: 10)! ففي حماه لن تخشى ولو تزحزحت الأرض ولو انقلبت الجبال إلى قلب البحار (اقرأ مزمور46)، هناك لن تجد أعلى معدلات الأمان فحسب، بل الأمان المطلق.
أيّة تعويضات؟!
إن خسائر أحداث هذا اليوم تُقدَّر بعشرات المليارات، على أن الأسوأ هو عدد الضحايا الذي يُعَد بالآلاف. وقد صُرفت تعويضات مبدئية لأُسَر الضحايا، وما زالت المباحثات مستمرة لتحديد إمكانية أن تصرف لهم شركات التأمين تعويضات أخرى. وبلا شك أن ذلك لن يعوِّض هذه الأُسر عمَّن فقدوهم، لكن الأهم أن كل شركات التأمين مجتمعة لا تستطيع أن تفعل شيئاً مع الضحايا أنفسهم. لا شك أن بعض هؤلاء قد واجه الموت بسلام، وأغمض عينيه من مشهد هذا الدمار ليفتحها فيجد نفسه في أروع مكان: بجوار المسيح، وكأنه في لحظات الموت كان يرنم القول «أيضاً إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرّاً، لأنك أنت (يا رب) معي» (مزمور23: 4)؛ أولئك هم الذين قد قَبِلوا بالإيمان، في أيام حياتهم، المسيح مخلِّصاً شخصياً لهم، وتمتعوا بفداء دمه الكريم. أما كل مَنْ لم يتخذ المسيح حصناً لحياته، فقد ذهب إلى أبديته بدون المسيح، وبئس المصير!
صديقي.. ماذا لو كان نصيبك أن تكون هناك في مثل هذا اليوم؟ إن واحداً لم يختَرْ لنفسه أن يكون هناك ساعتئذ، وأن تكون تلك هي نهايته. فهل أعددت العدة ليوم النهاية؟! إني لا أنصحك بشركة تأمين تؤمِّن حياتك، بل بذاك القدير الذي يضمن لك حياتك وما بعدها، إنه الرب يسوع المسيح.
نهاية ابتدأت
والآن، وبعد كل ما حدث من تطورات في الموقف، وبعد أن دَقّت طبول الحرب أرجاء المسكونة كلها، فإن الإحساس السائد لدى الجميع هو القلق والحيرة، وأصبح «على الأرض كرب أمم بحيرة» (لوقا21: 25). والكل يتسأل ما الذي سيحدث؟! وما هذا - كما يخبرنا الكتاب المقدس - إلا مقدمة لما سيلاقي العالم من أهوال حتى يصل إلى نهايته.
صديقي.. اسمع كلام الكتاب عن مصير الأرض، بل والسماوات أيضاً، إنها «مخزونة بتلك الكلمة عينها، محفوظة للنار إلى يوم الدين وهلاك الناس الفجار... ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماوات بضجيج، وتنحل العناصر محترقة، وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها». ثم اسمع، يا من قَبِلت المسيح وتنتظر مجيئه القريب، هذه النصيحة «فبما أن هذه كلها تنحل، أيّ أُناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدسة وتقوى؟... اجتهدوا لتوجَدوا عنده بلا دنس ولا عيب في سلام» (2بطرس3: 7-14).
دروس وعِبَر
إن ما حدث يحمل الكثير من العِبَر، فمن يعتبر؟ ولا تخلوا جزئية منه - شأنه شأن كل أحداث الحياة العامة والفردية - من دروس هامة، فهل نتعلم؟!