جاء الوقت الآن لنتكلم عن واجبات الصديق من ناحية صديقه.
(هكذا ابتدر الشيخ صديقه الشاب وهم يواصلون حديثهما عن الصداقة).
ليكن.
(ابتسم الشيخ من إجابة الشاب المقتضبة).
أعلم أن كُلاً منّا يفضِّل أن يسمع عن حقوقه لا عن واجباته، وهذا مبدأ الإنسان الطبيعي. لكن لكي نتمكن من أن نأخذ مكاننا الصحيح ونتمم الدور الذي يريدنا الرب أن نفعله، فعلينا أن نعرف واجباتنا ونتممها.
حسناً، أخبرني إذاً عن دوري من ناحية صديقي، وأرجو أن يعطيني الرب نعمة فأتمكن من أن أتممه على أكمل وجه.
إن الكتاب يحرضنا بالقول «ابنوا أحدكم الآخر» (1تسالونيكي5: 11)، وأيضاً «فلنعكف إذاً على ما هو للسلام وما هو للبنيان بعضنا لبعض... فليُرضِ كل واحد منا قريبه للخير لأجل البنيان» (رومية14: 19؛ 15: 2).
وماذا يعني أن أبني صديقي؟!
معنى ذلك أن تكون سبب تقدم له؛ أولاً روحياً، وأيضاً عملياً، وكذلك نفسياً.
وكيف أكون سبب تقدم روحي له؟
تتذكر أننا سبق واتفقنا أن صديقك لا بد وأن يكون له نفس اهتماماتك الروحية. لذا ليكن هذا اتفاقاً واضحاً بينكما: أن الرب هو الأول في علاقتكما، وأن هدفاً أساسياً من صداقتكما أن تبنيا أحدكما الآخر.
وكيف يكون ذلك؟
اهتمّا بأن يكون للنواحي الروحية مكان في كل لقاء بينكما: ليشارك كل منكما الآخر بما تعلمه من كلمة الله من خلال قراءته الشخصية، وباختبارات ودروس روحية من حياته العملية، وبما استفاده من فرص روحية. وليصلِّ كل واحد من أجل ظروف أخيه وتقدمه الروحي، ولا تنسيا أن تجمعكما فرص للصلاة معاً. كما واهتما أن يشجع كل منكما الآخر على فعل ما يكرم الرب في حياتكما.
ألن يملأ هذا الوقت الذي نلتقي فيه؟
وهذا في حد ذاته أمر عظيم، فملء الوقت بما يفيد يطرد تفاهات وسخافات تحدث كثيراً بين أصدقاء آخرين ليس لهم شيء مفيد يملأ علاقاتهم بعضهم ببعض.
وهل يعني ذلك ألا يكون لنا وقت لأحاديث أخرى أو للّعب والنزهة والتسلية معاً؟!
لم أقل ذلك قط. يمكنكما بكل يقين أن تفعلا ذلك ما دامت أحاديثكما وتسلياتكما لا تسبب تأخراً روحياً لأحدكما، ولا تندرج تحت بند السفاهة والهزل (أفسس5: 4).
وكيف أكون سبب تقدم له في حياته العملية؟
اعمل على تكميله.
ماذا تعني؟
بمعنى أنه إن كان لصديقك نقص في بعض الأمور العملية، تستطيع أنت أن تسدّه، فلا تتأخر عن ذلك. فمثلاً، إن كان صديقك ضعيفاً في مادة دراسية أنت تتقنها، لا تتأخر عن أن تقدم له العون على قدر استطاعتك. ونفس الأمر ينطبق إن كان له احتياج مادي لشيء متوفر لديك، تعلَّم أن تشاركه في هذه الاحتياجات.
إن هذا يتطلب الكثير من التضحية.
أنا أعلم ذلك، لكنها وصية الكتاب «لا تمنع الخير عن أهله حين يكون في طاقة يدك أن تفعله. لا تقُل لصاحبك اذهب وعُدّ فأعطيك غداً وموجود عندك» (أمثال3: 27 ،28). بل وهذا مطلوب حتى وإن اقترن ببعض التضحية كما أشار الرب في مَثَل صديق منتصف الليل (لوقا11: 5-8). ودعني أذكِّرك بأنه عند الرب العطاء مغبوط أكثر من الأخذ (أعمال20: 35).
بقي أن أعرف كيف أكون سبب فائدة نفسية له؟
من الناحية الإيجابية كن حساساً لمشاعره: فلا تستهن بحزنه بل اعمل على تخفيفه، ولا تحتقر فرحه بل شاركه فيه. واذكر قول الكتاب «فرحاً مع الفرحين، وبكاء مع الباكين» (رومية12: 15). كذلك اجتهد على أن تساعده على حل مشاكله بالمشاركة في الصلاة وبتقديم حلول عمليه ومساعدات فعلية كما سبق وأشرت.
ومن الناحية السلبية؟
لا تحتقر صديقك إذا تكشّف لك نقص فيه، ولا تجعله مثاراً للسخرية، فهذا مدمِّر لصداقتكما وهادم له؛ واعلم حُكم الكتاب على من يفعل مثل هذا إذ يقول: «المحتقر صاحبه هو ناقص الفهم، أما ذو الفهم فيسكت» (أمثال11: 12). بل اجعله يتأكد دائماً من أنك تحترمه، وأنه مهم جداً لديك. واجتهد أن تساعده على إصلاح عيوبه وتخطي نقصاته.
(صمت الصديقان قليلاً قبل أن يختم الشيخ الحديث بالقول:)
بالإجمال: كن سبب بناء لصديقك لا هدم. اسعَ لذلك جاهداً، ولا ترضَ بأقل من أن تكون سبب بركة له. إني أعلم أن الأمر يتطلب جهداً، لكن أثق أن الرب يعطي نعمة كافية لإتمامه. ولنا لقاء آخر قريب بمشيئة الرب.