الأحداث


فهمنا في أعداد سابقة أن الكتاب يقسِّم عائلة الله إلى ثلاث فئات هم: الأطفال، والأحداث، والآباء الناضجين.  وقد تحدثنا عن الأطفال والطفولة، وعن عوامل النمو.

والآن ننتقل إلى الحديث عن الأحداث؛ وهي المرحلة الانتقالية بين الطفولة والنضوج الكامل.  والرسول يوحنا، في رسالته الأولى، قد خاطب كل فئة من هذه الفئات الثلاث مرتين.  مرة تحدَّث عن مميزات هذه المرحلة، ومرة تحدَّث عن المخاطر التي يتعرض لها المؤمنون في هذه المرحلة.

فبينما تكلم إلى الأولاد (الأطفال) باعتبارهم قد عرفوا الآب، مذكِّراً إياهم بمكانتهم ومعزتهم عند الآب الذي يُسَرّ بأن يُغدِق عواطف أبوته عليهم ويحملهم في حضنه ويدفئهم بحنانه؛ فإنه يحذّرهم من مخاطر التعاليم المضلة.  فهم لقلة الخبرة والإدراك والثبات في الحق، معرَّضون أن يضطربوا ويُحملوا بكل ريح تعليم.

أما الأحداث فيتكلم إليهم باعتبارهم قد نموا في النعمة والإدراك، ولهم بضع سنوات في الإيمان، وقد قطعوا شوطاً في الاختبار الروحي، وحققوا بعض الانتصارات، وبلغوا بعض النضوج.  فيقول لهم «كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء، وكلمة الله ثابتة فيكم، وقد غلبتم الشرير.  لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم.  إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب.  لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة.  ليس من الآب بل من العالم والعالم يمضي وشهوته.  وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد» (1يوحنا 2: 14 ،15).  

ومن هذه الأقوال نرى طبيعة هذه المرحلة وما يتميز به الأحداث.  فهم: أقوياء روحياً، في حالة النضارة والحيوية والنشاط والعمل والطاقة والحماس والاجتهاد والتحصيل الروحي والغيرة المقدسة والأشواق الروحية.  وكما يقول عنهم الكتاب «كسهام بيد جبار هكذا أبناء الشبيبة.  طوبى للذي ملأ جعبته منهم» (مزمور 127: 4 ،5).  إنهم أقوياء، وسر القوة أن كلمة الله ثابتة فيهم؛ فهم يحبون الكتاب، ويأكلونه بشهية مفتوحة، ويجدون فيه لذة، ويفحصون الكتب كل يوم باجتهاد هل هذه الأمور هكذا.  إن لديهم القدرة الذهنية على الاستيعاب السريع، وهم يتعاملون مع الكتاب باعتباره كلمة الله الحية والفعالة، بكل احترام وطاعة.  والكلمة ثابتة فيهم، أي أنها تجد مقرّاً في أعماقهم، ويخبئونها في قلوبهم ويعيشون بموجبها.  ولهذا فهم أقوياء.  وهذا ما نراه في المزمور الأول «طوبى للرجل الذي... في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً.  فيكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه، التي تعطي ثمرها في أوانه، وورقها لا يذبل،  وكل ما يصنعه ينجح» (مزمور1: 1- 3).

هؤلاء الأحداث الأقوياء قد غلبوا الشرير (الشيطان).  وكما فعل الرب يسوع مع الشيطان في البرية، إذ استخدم المكتوب وهو يواجه المجرب، هكذا هؤلاء يغلبون الشرير بأقوال الله الثابتة فيهم.

لكن هؤلاء الأحداث يتعرضون لخطر آخر، ليس هو الشرير، ولا هو التعاليم المُضلة، وإنما الخطر الأكبر على هؤلاء الأحداث في هذه المرحلة العمرية هو «العالم».  فقد ينتصر الشاب على الشيطان، ولكنه يُغلَب من العالم.  فالعالم أخطر من الشيطان كما أن الجسد أخطر من العالم.

والآن ما هو المقصود بالعالم الذي يحذرنا الكتاب منه وبالأخص الإحداث؟

سيكون هذا هو موضوعنا في العدد القادم بمشيئة الرب.