س: هناك رأي شائع أن الإنسان هو مجموعة من العادات التي نشكَّل شخصيته ومباديء حياته؛ فهل يمكن أن تكون الحياة المسيحية الصحيحة مجرد مجموعة من المسارات والعادات الروتينية، مثل إي مباديء دينية أخري، ومن يمارس هذه العادات تتشكل حياته بها ويصبح مؤمناً مسيحياً؟
ما هي العاده؟
هي عمل أو سلوك متكرر في حياة الإنسان، يحدث تحت ظروف معيّنة، أو في وقت معين. وكلما تكررت هذه الظروف، أو هذا الوقت، يرغب الشخص بشدة في تكرار هذا العمل بانتظام وبكيفية تلقائية. ويصاحب هذا السلوك المتكرر مشاعر بالراحة والسرور. وبعد أن يعتاد الشخص عليه، يشعر بعدم الراحة إذا امتنع عنه، فيصبح ملزَماً به، ويصعب عليه التخلص منه.
وهناك عادات حسنة مثل الانضباط، النظام، النظافة، طريقة الأكل الصحية، الصدق، الأمانة، احترام الكبير ... إلخ. وهناك عادات سيئة مثل : الميل للاسترخاء والنوم الكثير، عدم النظافة، كثرة الكلام، الثلب، إغاظة الآخرين، التدخين ... إلخ.
أغلب العادات تبدأ على مستوى العقل الواعي، والشخص مدرك لما يفعل، ثم بالتدريج تتحول إلى روتين يمارس على مستوى العقل الباطن.
بعض دوافع العادات:
سواء كانت العادات حسنة أو سيئة فلا بد لها من دافع داخلي في كيان الإنسان، مثل:
* التنفيث عن التوتر الداخلي: وتسمى عادات عصابية، مثل قضم الأظافر، هز الرجل أو الكفين، اللعب في الشعر، حركات بالعين أو الفم، الصياح المستمر، إدانة الآخرين. وهي تزداد كلما زاد التوتر الداخلي عند الشخص، والدافع الداخلي وراءها هو تخفيف حدة التوتر.
* الحصول على متعة مؤقتة مرتبطة بالعادة: مثل مص الشفتين، الإدمان، السخرية من الآخرين. وغالباً ما يتبعهما لوم الضمير والشعور بالهزيمة.
* الحصول على سلام ومتعة دائمة: مثل العادات الروحية التي سنتحدث عنها بعد قليل.
* الانتقام من الآخرين ولا سيما الوالدين: مثل عدم المذاكرة والضيق منها، التظاهر بالمرض لإزعاج الوالدين، التبول اللا إرادي بالليل. غالباً ما تحدث نتيجة عدم الرضا عن الوالدين.
* إراحة الضمير: مثل العادات الروتينية الدينية الطقسية المتكررة، والتي يمارسها الإنسان دون إدراك واعٍ، ظنّاً أنه بهذا يكسب رضا الله عليه، وتجعل الإنسان راضياً عن نفسه وضميره مستريح.
السلوك المسيحي والعادات:
في المبادئ الدينية الأخرى، هناك مجموعات من الممارسات الروتينية الطقسية المتكررة، التي تقنع الذين يمارسونها بأنها تجلب رضا الله عليهم، وبالتالي تتحول هذه الممارسات إلى عادات. لكن المسيحية ليست مجموعة عادات يمارسها الإنسان، والمسيحية تفقد قيمتها إذا أصبحت كذلك.
والمؤمن المسيحي ليس شخصاً يحاول اكتساب رضا الله عليه، بل هو شخص دخل في علاقة فعلية مع الله، وموقن أن الله راضٍ عنه في المسيح بصفة مستمرة «النعمة التي نحن فيها مقيمون» (رومية5: 2).
ومع ذلك ففي الحياة المسيحية عادات حسنة يمارسها المؤمن المسيحي ليستمتع بعلاقة مع الله، ويستمتع بهذا الرضا الدائم. إنها عادات منشِّطة للطبيعة الجديدة والتي أخذها المؤمن.
والعادات المسيحية ليست روتيناً خالياً من الروح، لكنها ممارسات ممتعة، مريحة للقلب والضمير، مشبعة للكيان، متوافقة مع الإرادة، وفي كل مرة تُمارَس بوعي كامل، وتجعل المؤمن يرغب أن لا يفرِّط فيها مطلقاً.
مثلاً عادة أخذ خلوة حلوة مبكرة مع الرب؛ أن يكون الرب هو أول منظر أمام عين المؤمن وأول شخص يتحدث معه ويستمع له. هذا له تأثير رائع على الحياة الإلهية التي لا تتغذى إلا على المسيح. والذي تعود على هذا لا يطيق الحرمان منه، بل يشعر أنه مخنوق إذا لم يمارس تلك العادة.
وفي الأناجيل نقرأ أن الرب نفسه، كإنسان، كان له عادات حسنة يمارسها دائماً مثل : «ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ» (لوقا4: 16). أيضاً «خرج ومضى كالعادة إلى جبل الزيتون» (لوقا22: 39). كذلك «فاجتمع إليه جموع أيضاً، وكعادته كان أيضاً يعلمهم» (مرقس10: 1).
والذين كان يتعاملون مع الله في العهد القديم كانت لهم أيضاً عادات حسنة فنقرأ عن دانيآل «فجثا على ركبته ثلاث مرات في اليوم وصلى وحمد قدام إلهه كما كان يفعل قبل ذلك» (دانيآل 6: 10).
- وعلى الجانب الآخر، فإن الكتاب يحذِّرنا من تعودنا على العادات السيئة مثل «غير تاركين إجتماعنا كما لقوم عادة» (عبرانيين 10: 25).