دخل إلى قاعة الاجتماع غلام جميل الوجه، بهي الطلعة، ينضح ذكاءً. ورغم ذلك لم يستطع أن يخفي حزنه ويأسه. كان الاجتماع قد قارب على نهايته، وكانت التأثيرات الروحية وتبكيتات الروح القدس بادية على النفوس، فجاءت صلوات التوبة قصيرة ومُركَّزة، وإذا بصاحبنا يصلي وهو جالس في مكانه، وعيناه مفتوحتين، وكأنه لا يستطيع الوقوف، ولا قدرة له حتى على قفل عينيه، وبتلقائية شديدة وبِلُغة بسيطة صلى يقول: “يا رب أنا لا أستحق أن أوجد بين هؤلاء الناس المحترمين (يقصد جماعة المُصلين)، أنا بصراحة إنسان غير محترم، بلا شرف وبلا كرامة، (ثم انتظر قليلاً وقال: ) أنا كلب بل وأقل من كلب، فالكلب لا يُحاسَب ولا يُدان، أما أنا فإنسان، عفواً أنا لست إنساناً”. ثم غلبته دموعه ومنعته عن مواصلة الصلاة بصوت مسموع.
وبصراحة أنا أشهد أني لم أسمع في كل حياتي صلاة بهذه الكيفية، فكثير ممن يُصلّون تجدهم واقفين، العيون يغمضون، وبوقار يقفون، الكلام يُلمعون ويُزخرفون، ولصلوات الكبار يُرددون، أما صاحبنا، فبدا عليه الصِدق، وعبَّر عن حالته بلا مكياچ أو رتوش. وعندما جلست معه، كانت قصته باختصار أنه تعلق بالخطية، وأحبها فأحبته، ومعسول الكلام أسمعته، فراح ورائها، فمررته ودمرته. إلى أن صار حطام شاب، ثم تركته. والأصحاح السابع من سفر الأمثال يحذرنا من الخطية التي سقط فيها الغلام العديم الفهم، فهذه الخطية بدأت بخطوة تلتها خطوات. أما الخطوة الأولى فهي:
1. بين الجهال
إن الشاب الذي لا يُصغي لصوت الحكمة، ولا إلى مناشدتها بحفظ الوصية لكي تحفظه من الخطية، أين تجده بعد ذلك؟ يقول الكتاب «فرأيت بين الجهال...» (أمثال7: 7)، وهذه هي بداية السقوط. فالشاب المكثر الأصحاب (الشِلَلْ) يخرب نفسه، لذلك يأتي التحذير «لا تضلوا فإن المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة» (1كورنثوس15: 33).
2. عابراً في الشارع
عجبي على أبناء العائلات الشريفة، الذين في الشوارع يمشون، وعلى النواصي يقفون، وبعيون وقِحة في الخلق يحملقون ويشتهون.
3. عند زاويتها
وهنا قد وصل إلى بؤرة الشر والفساد، فالذي يصادق الجهال الذين بلا هدف في الشوارع يمشون، وعلى بضائع إبليس يتفرجون، فحتماً ولا بد أن تقودهم أرجلهم إلى زاوية الخطية حيث العربدة والمجون.
4. صاعداً في طريق بيتها
ليس صعود المجد والفضيلة بل الانحدار إلى أسافل الشر والرزيلة، إنه يركب الصعب، فيجهد الشاب نفسه، وينفق ماله، ويخسر شرفه.
زار أحد المبشرين مدينة بصعيد مصر، لعقد إجتماعات تبشيرية، ولم يكن المبشر سعيداً، فالحضور قليل، والتجاوب من الناس ضعيف. وفي إحدى الليالي كان حزيناً فأخذوه ليتمشى قليلاً على كورنيش النيل وإذا بجماهير غفيرة تخرج من إحدى البنايات، فسأل الضيف عن سر هذا الازدحام، فأخبروه بأنهم يخرجون من دور السينما، بعد أن شاهدوا فيلماً جديداً اسمه “الصعود إلى الهاوية” فضرب المبشر كفاً على كفٍ وهو يقول: نحن نبشر الناس بالسماء وليس بالهاوية، ورغم إنها حقيقة وليست فيلماً، ومجانية بلا تذاكر، والناس لا يقبلون، والشيطان يقدم لهم الهاوية فيأتون، وأمام شباك التذاكر يندفعون، ولأثمانها يدفعون.. وعجبي!
5. في حَدقة الليل والظلام
إنهم ينامون في النهار ويسهرون في الليل، يقولون للشر خيراً، وللخير شراً، الجاعلين الظلام نوراً، والنور ظلاماً، فويل لهم إنهم مثل الخفافيش، يحبون الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم شريرة.
6. إبتسامة غادرة
ذهب إليها فاستقبلته، ولأنها خبيثة القلب، وصخَّابة هي وجامحة، فأمسكته وقبَّلته، ووجهها أوقحته، وكلام كذب كثير قالته.
7. الغبي يقع في المصيدة
بعد أن أمسكته، وبكثرة فنونها أغوته، وبملث شفتيها طوَّحته، فخها قد نصبته، وأخيراً جرحته وقتلته.
أعزائي الشباب:
«توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة ولكن عاقبتها طرق الموت» (أمثال14: 21)..
فاحذروا من طرقها وألاعيبها..
إنها كالخمر «إذا أحمرت حين تظهر حبابها في الكأس وساغت مرقرقة. في الآخر تلسع كالحية وتلدغ كالأفعُوان» (أمثال23: 31،32).
فاحذروا الخطية
و«لا يمل قلبك إلى طرقها ولا تشرد في مسالكها.. لأنها طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء» (أمثال7: 7).